{يَبْغُونَ}: البغي: الظلم .
البغي بعد النجاة
{فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} فيكفرون ويظلمون ويتمردون ويتحركون في الخط المنحرف ،بعيداً عن الله وعن صراطه المستقيم ،ويخيّل إليهم أنهم استطاعوا أن يخدعوا الله بأساليبهم هذه ،فتمتلىء نفوسهم شعوراً بالزهو والخيلاء .ولكن الله يواجههم بالحقيقة الواضحة ،فليست القصة في حسابات النجاح والفشل هي قصة اللحظة الحاضرة التي قد تحمل للإنسان بعض الانفعالات اللذيذة السريعة ،ولكنها قصة المصير في نهايات الشوط ،عندما يواجه الإنسان ظلام النهاية الذي يطبق على روحه ،فيخنق فيها كل حياة .وماذا هناك ؟إن البغي الذي يمارسونه على غير طريق الحق ،لا يمثِّل القوّة التي توحي لهم بالعظمة والكبرياء ،بل يمثِّل العقدة المرضية التي تفتك بكل مواقع الخير في الداخل ،فتحركهم إلى مواقع الهلاك والدمار{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} لأنكم تعرّضونها لعذاب الله في الآخرة ،لأن هذه الفرصة السانحة ليست هي الفرصة الأخيرة لتعتبروا أنفسكم بأنكم ربحتم الشوط كله ،فهناك فرصٌ أخرى للنجاح ،ستفقدونها بأجمعها في لحظات الحساب الحاسمة{مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} هذا الذي تنعمون به الآن ،تماماً كما هو حالكم قبل نزول البلاء ،{ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وليست القضية مجرد إعلامٍ وإخبارٍ ،ولكنها المسؤولية المباشرة التي يواجه من خلالها الإنسان قضية المصير على مستوى النار التي وقودها الناس والحجارة .
وماذا تمثّل هذه الحياة اللاهية العابثة المليئة بالزخارف ،التي يعيش فيها الإنسان معصية الله على أكثر من صعيد ؟إن الله يريد أن يبصّر العباد بحقائقها ليلتفتوا إليها من موقع الفكر والتأمل لا من موقع الانبهار والالتذاذ .