{زُخْرُفَهَا}: الزخرف: كمال حسن الشيء .
{وَازَّيَّنَتْ}: تزيّنت .
{حَصِيدًا}: الحصد هو قطع الزرع ،وهنا الحصاد في غير أوانه على سبيل الإفساد .
تشبيه الحياة الدنيا بالماء
{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرضِ} إنهاتماماًكالمطر الذي ينهمر من السماء على الأرض ،فينفذ إلى أعماقها ،فيتفاعل مع البذور المنتشرة فيها ،فيختلط بها في عمليّة نموّ وتفاعل ،فإذا به يتمثل نباتاً{مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ} من حب الزرع وثمر الشجر{وَالاَْنْعَامُ} كالحشائش وغيرها ،ويمتد هذا النبات حتى تزدهر به الأرض ،{حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأرضُ زُخْرُفَهَا} في مظهرها الرائع وحسنها العجيب{وَازَّيَّنَتْ} بحلتها الخضراء الملوّنة القشيبة{وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ} من خلال مظاهر الحياة المتنوعة في حركتها ،وقوّة سيطرتهم على أوضاعها وشؤونها الماديّة مما يوحي إليهم بالامتداد بعيداً في الاطمئنان ،والإخلاد إليها ،والاستسلام إلى ما يشبه الخلود فيها ،ولكنها الغفلة المطبقة التي تطبق على فكرهم وروحهم وحياتهم ،هي التي تساهم في إثارة أجواء التخييل والوهم الكبير ،فتبعدهم عن العمق الذي يعمّق لهم الفهم الواقعي للحياة ،ويعرّفهم طبيعة الفناء الكامنة في داخل كل ظاهرةٍ من ظواهرها ،وكل ذرّة من ذرات المادة فيها .
وتستمر الغفلة حتى تأتي الصدمة ،التي تصدمهم بالواقع المفاجىء ،وتعيدهم إلى حقيقتهم الفانية ،وذلك ما أشار إليه الله في قولهسبحانه{أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا} يتطاير في الهواء فلا يبقى هناك أيّ شيء في الأرض ،فلا خضرة ،ولا جمال ،ولا حياة ،وإنما هو الموت المتمثل في هذا الجفاف الذي يأكل كل حيويّةٍ في هذ الجو المعشب المليء بالخضرة والحياة ،فيتحول إلى أوراق يابسةٍ لا تملك إلاّ أن تتحول إلى تراب خفيف تعبث به الريح الخفيفة والعاتية ،فيتطاير هنا وهناك ،ويذهب مع الريح في أجواء الفراغ والضياع ،{كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ} كأن لم يكن هناك شيء قد أقام وامتد وازدهر واخضرَّ ،فقد زال كل شيء ولم يبق هناك حتى الذكرى ،وذلك هو المثل الحيّ الذي يوحي بالفكرة التي تثير في النفس المعنى الحيّ ،الذي يربط الإنسان بواقع الحياة والموت والدنيا والآخرة ،ليعرف موقع الحياة من مصيره ،فهي حركةٌ في رحلة الوجود إلى الموت ،فلا مجال للاستسلام إليها في أوهام الخلود الخادع ،من خلال الأمل الكاذب .{كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ} ونوضحها ونشرحها بالأسلوب الذي يفتح القلب على الحقيقة من أقرب طريق ،{لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ويتأملون ،فيقارنون بين الأمور الحسية والأمور المعنوية ،ليكتشفوا وجه التشابه بينها ،لينتقلوا منها إلى الفكرة الثابتة الحاسمة التي تحكم الجوّ كله ،والمسيرة كلها .