التّفسير
لوحة الحياة الدّنيا:
مرّت الإِشارة في الآيات السابقة إِلى عدم استقرار ودوام الحياة الدنيا ،ففي الآية الأُولى من الآيات التي نبحثها تفصيل لهذه الحقيقة ضمن مثال لطيف وجميل لرفع حجب الغرور والغفلة من أمام نواظر الغافلين والطغاة ( إِنّما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء ) .
إِنّ قطرات المطر هذه تسقط على الأراضي التي لها قابلية الحياة .و بهذه القطرات ستنمو مختلف النباتات التي يستفيد من بعضها الإِنسان ،ومن بعضها الآخر الحيوانات ( فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل الناس والأنعام ) .
إِنّ هذه النباتات علاوة على أنّها تحتوي على الخواص الغذائية المهمّة للكائنات الحيّة الأُخرى ،فإِنّها تغطي سطح الأرض وتضفي عليها طابعاً من الجمال ( حتى إِذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت ) في هذه الأثناء حيث تتفتح الجنابذ وتورق أعالي الأشجار وتعطي ذلك المنظر الزاهي وتبتسم الأزهار وتتلألأ الأعشاب تحت أشعة الشمس ،وتتمايل الأغصان طرباً مع النسيم ،وتُظهر حبات الغذاء والأثمار أنفسها شيئاً فشيئاً وتجسم جانباً دائب الحركة من الحياة بكل معنى الكلمة ،وتملأ القلوب بالأمل ،والعيون بالسرور والفرح ،بحيث ( وظن أهلها أنّهم قادرون عليها ) ..في هذه الحال وبصورة غير مرتقبة يصدر أمرنا بتدميرها ،سواء ببرد قارص ،أو ثلوج كثيرة ،أو إعصار مدمّر ،ونجعلها كأنّ لم تكن شيئاً مذكوراً ( أتاها أمرنا ليلا أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس ) .
( لم تغن ) مأخوذة من مادة ( غنا ) بمعنى الإِقامة في مكان معين ،وعلى هذا فإِنّ جملة ( ولم تغن بالأمس ) تعني أنّها لم تكن بالأمس هنا ،وهذا كناية عن فناء الشيء بالكلية بصورة كأنّه لم يكن له وجود مطلقاً!.
وللتأكيد تقول الآية في النهاية: ( كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ) .