السمع هو سمع العقل
{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} ولكن بعقول غائبةٍ عن كل المداليل التي توحي بها الكلمات ،ومشاعر معقّدة ممّا تتضمنه الآيات ،فلا تتعقد منهم إذا رفضوا ما تطرحه عليهم ،أو كذبوا بما تدعوهم إليه ،ولا تتهم نفسك بالفشل لأنك لم تنجح في دعوتك أو في حركة أسلوبك ،بل اعتبر المسألة كما لو كنت تتحدث مع الصمّ الذين لا يسمعون ،لأن الصمم على قسمين ،فهناك صممٌ في السمع على أساس عضويٍّ عندما تختل قوّة السمع في الأذن ،وهناك صممٌ في الوعي ،في ما يمثّله من اختلالٍ بوعي الحاسّة لما سمعه من خلال ما يتحرك به عقل السمع من وعي المضمون الداخلي للكلمة ،وبذلك كانت مشكلة الداعية أمام الناس تتمثل في نقطتين: الأولى أن يسمعوا منه الكلمات كألفاظ وأصوات ،والثانية ،أن يسمعوها منه كمعاني ومداليل .والأولى تتصل بالجانب المادي للسمع ،والثانية تتصل بالجانب المعنوي له .وبذلك كانت المسألة مرتبطةً به من جهة وبالآخرين من جهةٍ أخرى .وإذا كان من مهمته أن يزيل الموانع من جهته ،فليس من مسؤوليته أن يرفع الموانع من جهة الآخرين إذا اغلقوا آذانهم عن الاستماع ،أو إذا أغلقوا عقولهم عن الوعي لما استمعوا إليه ،{أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ} ما سمعوه ..وبهذا كانت الكلمة الأخيرة إيحاءً بأن الذي يسمع ولا يعقل ،كمن لم يسمع من الأساس ،لأن مهمة السمع أن يرسل الكلمة إلى القلب والعقل والشعور ،فإذا تجمّدت عند حدود الأذن ،كانت بمثابة الصدى الذي لا معنى له ،بل هو الدويّ الذي يحس به الأصمّ دون أن يعي منه شيئاً .