{افْتَرَيْتُهُ}: الفرق بين افتراء الكذب وقول الكذب ،أن قول الكذب قد يكون على وجه تقليد الإنسان فيه لغيره ،وأما افتراء الكذب فهو افتعاله من قبل نفسه .
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} ويصرّون على اتهامه بذلك على الرغم من براهين الصدق التي قدمها إليهم ،كأسلوبٍ من أساليب التجريح والتشويه لموقفه .ولكن نوحاً لا يخضع لذلك ،بل يبقى في هدوء الروح الرساليّ ،وصفاء الفكر ،{قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} ولا شأن لكم في ما أتحمّله من مسؤولية إزاء ذلك ،إن أراد الله أن يعذبني عليه ،ولكني أعرف من صدق الدعوة ،وسلامة الموقف في نفسي ما يجعلني بعيداً عن ذلك ،وما يدفعني إلى الثقة بالرسالة بالمستوى الذي يبعدني عن موقع ردّ الفعل الذي أردتم وقوعي فيه .{وَأَنَاْ بَرِىءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ} كما أني لا أتحمل مسؤولية كفركم وتمردكم ،لأنني أقمت عليكم الحجة ،ولم أقصِّر في الدعوة والتبليغ ،وبقي عليكم تحمّل مسؤولية عملكم لأن الله جعل مسؤولية الجزاء فرديّة ،يتحمل على أساسها كل إنسان عمله ،إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ .
ذلك هو منطق الأنبياء الهادىء الذي يطرح الفكرة بقوّةٍ ،ويواجه الموقف بحسمٍ ، ٍ ويرد التحدي بعقلٍ هادىء ،وفكرٍ منفتحٍ ،وهو ما ينبغي للدعاة إلى الله أن يستوحوه ويسيروا على هداه في كل زمان ومكان .