{أُخَالِفَكُمْ}: أرجع .
{قَالَ يا قَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي} لما أعيشه في مسألة الإيمان من وضوح الرؤيا والدلائل والبينات التي أكرمني بها الله ،إلى درجة عدم إحساسي بأيّ حالة من حالات الشك والريب في صحة ما أنا عليه ،وفي صدق ما أدعو له ،{وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} بما أغدقه علي من نعمه وألطافه ،وبما رزقني من رسالته ،فلا بد لي من أن أقف لأدعو ،وأتحرّك لأتحدّى بالأسلوب الذي يحقق القناعة للفكر ،ويركّز القوة للموقف ،ويبعث الامتداد في الدعوة ،وليست المشكلة هي أن يرضى الناس أو لا يرضوا ،بل كل مشكلتي ،هي أن يرضى الله عما أقوم به في مجال تأدية الرسالة ،وإخلاص الدعوة .
{وَما أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} ،فلم أنهكم عن شيء إلا وقد ألزمت نفسي بتركه ،انطلاقاً من قناعتي بما يتضمنه من المفسدة ،وما يؤدّي إليه من الضرر ،وبذلك فإن موقفي ينطلق من موقع القناعة والإيمان ،لا من موقع الرغبة في التحكّم بكم ،والتضييق عليكم ،والتقييد لحريتكم ،كما تزعمون .لأجل ذلك ،كان لا بد لي من إثارة الفكرة أمامكم ،لحثكم على الدخول معي في نقاش فكريّ حولها ،ولكنكم واجهتم المسألة باللاّمبالاة ،وابتعدتم عن مسؤولية ما تحملونه من عقيدة ،وما يُلقى عليكم من فكر ،فاستسلمتم لعقائد آبائكم التي لا ترتكز على أساس ،ولحرية الأهواء التي لا تخضع لقاعدة ،فوقفتم هذا الموقف السلبيّ الساخر المتعنِّت .إن ذلك شأنكم في التصرف الذي سوف تتحملون مسؤوليته أمام الله ،في الدنيا والآخرة ،أما أنا فسأبقى في ساحة الرسالة من أجلكم ،لأقدّم لكم النصح الذي يصلح أمر دنياكم وآخرتكم .
دين الله لإصلاح الإنسان والحياة
{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} هذا هو الشعار الذي أرفعه في حركة الرسالة ،وهذا هو مضمون مفاهيمها وتشريعاتها ،وهذا هو الهدف الذي أسعى إليه من وراء موقفي معكم ومع الناس ،فليس لدي هدفٌ شخصيّ في ما أدعوكم إليه ،ولا أريد ممارسة السيطرة عليكم ولا التحكم بكم ،بل كل ما أريده تأدية الرسالة في إصلاح الإنسان والحياة ،على هدى دين الله ،ولذا فإنني ألتزم في نفسي وفي حياتي العملية بما أدعوكم إليه ،وهل يريد الإنسان لنفسه إلا الخير ،{وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ} وسأستمر في السير إلى الهدف ،متطلعاً إلى توفيق الله ورعايته ،معتمداً على الله فهو الذي يهيء لعباده الأسباب ،ويدبّر لهم الأمور .
الله هو الكافي
{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في كل ما أريد أن أقدم عليه ،في إمكاناتي الذاتية التي رزقني بها الله ،وفي كل ما يمكن أن يواجهني في حاضر الحياة ومستقبلها ،من تهاويل المجهول الذي جعل الله أمره بيده ،فهو الكافي له ،والحامي منه ،لأنه يكفي رسله من كل شيء ،في حدود الحكمة والمصلحة ،ولا يكفي منه شيء ،لأنه القادر على ما لا يقدرون عليه ،والمهيمن على كل شيء من مخلوقاته الناطقة والصامتة ،{وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} فهو المرجع في الدنيا ،والملاذ في الآخرة ،وإليه المصير .
وهذا هو موقف القوة الواعية التي أراد شعيب أن يعيشها في نفسه لئلا تهتز أمام ضغوطهم ،وليبنيها لهم ،حتى يشعروا بطبيعة القوة التي يملكها بالاعتماد على الله ،والتوكل عليه في جميع أموره مما يجعل لموقفه قوة بارتكازه على الغيب أولاً ،وعلى قوة شعيب الذاتية ثانياً .