قوله تعالى:{وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} ألآية .
ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن نبيه شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ،أنه أخبر قومه: أنه إذا نهاهم عن شيء انتهى هو عنه وأن فعله لا يخالف قوله .
ويفهم من هذه الآية الكريمة أن الإنسان يجب عليه أن يكون منتهياً عما ينهى عنه غيره ،مؤتمراً بما يأمر به غيره .
وقد بين تعالى ذلك في مواضع أخر .كقوله:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [ البقرة: 44] الآية .وقوله:{كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [ الصف:3] .
وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار ،فيدور بها كما يدور الحمار برحاه ،فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: أي فلان .ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ ا فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ،وأنهاكم عن المنكر وآتيه » .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «فتندلق أقتابه » أي تتدلى أمعاؤه .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو نُعيم في الحلية ،وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار ،كلما قرضت رجعت .فقلت لجبريل من هؤلاء ؟قال: هؤلاء خطباء من أمتك ،كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون » قاله صاحب «الدر المنثور » .اه .وقد قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله*** عار عليك إذا فعلت عظيم
وقد أجاد من قال:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى*** طبيب يداوي الناس وهو مريض
ومعلوم أن عمل الإنسان بما ينصح به غيره أدعى لقبول غيره منه ؛كما قال الشاعر:
فإنك إذ ما تأت ما أنت آمر ***به تلف من إياه تأمر آتيا