يقول لهم أرأيتم يا قوم ( إن كنت على بينة من ربي ) أي:على بصيرة فيما أدعو إليه ، ( ورزقني منه رزقا حسنا ) قيل:أراد النبوة . وقيل:أراد الرزق الحلال ، ويحتمل الأمرين .
وقال الثوري:( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) أي:لا أنهاكم عن شيء وأخالف أنا في السر فأفعله خفية عنكم ، كما قال قتادة في قوله:( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) يقول:لم أكن لأنهاكم عن أمر وأركبه ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ) أي:فيما آمركم وأنهاكم ، إنما مرادي إصلاحكم جهدي وطاقتي ، ( وما توفيقي ) أي:في إصابة الحق فيما أريده ( إلا بالله عليه توكلت ) في جميع أموري ، ( وإليه أنيب ) أي:أرجع ، قاله مجاهد وغيره .
قال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا أبو قزعة سويد بن حجير الباهلي ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه:أن أخاه مالكا قال:يا معاوية ، إن محمدا أخذ جيراني ، فانطلق إليه ، فإنه قد كلمك وعرفك ، فانطلقت معه فقال:دع لي جيراني ، فقد كانوا أسلموا . فأعرض عنه . [ فقام متمعطا] فقال:أما والله لئن فعلت إن الناس يزعمون أنك تأمر بالأمر وتخالف إلى غيره . وجعلت أجره وهو يتكلم ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"ما تقول ؟ "فقال:إنك والله لئن فعلت ذلك . إن الناس ليزعمون أنك لتأمر بالأمر وتخالف إلى غيره . قال:فقال:"أوقد قالوها - أوقائلهم - ولئن فعلت ذلك ما ذاك إلا علي ، وما عليهم من ذلك من شيء ، أرسلوا له جيرانه .
وقال أحمد أيضا:حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده قال:أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - ناسا من قومي في تهمة فحبسهم ، فجاء رجل من قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب ، فقال:يا محمد ، علام تحبس جيرتي ؟ فصمت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . [ عنه] فقال:إن ناسا ليقولون:إنك تنهى عن الشيء وتستخلي به ، فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم:"ما يقول ؟ "قال:فجعلت أعرض بينهما الكلام مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي دعوة لا يفلحون بعدها أبدا ، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به حتى فهمها ، فقال:"أوقد قالوها - أو:قائلها منهم - والله لو فعلت لكان علي وما كان عليهم ، خلوا له عن جيرانه ".
ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الإمام أحمد:حدثنا أبو عامر ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري قال:سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولان:قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:"إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم ، وتلين له أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم قريب ، فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم ، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه ".
هذا إسناد صحيح ، وقد أخرج مسلم بهذا السند حديث:"إذا دخل أحدكم المسجد فليقل:اللهم ، افتح لي أبواب رحمتك . وإذا خرج فليقل:اللهم ، إني أسألك من فضلك ".
ومعناه ، والله أعلم:مهما بلغكم عني من خير فأنا أولاكم به ، ومهما يكن من مكروه فأنا أبعدكم منه ، ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم [ عنه] ) .
وقال قتادة ، عن عزرة عن الحسن العرني ، عن يحيى بن الجزار ، عن مسروق ، أن امرأة جاءت ابن مسعود قالت أتنهى عن الواصلة ؟ قال:نعم . فقالت [ المرأة]:فلعله في بعض نسائك ؟ فقال:ما حفظت إذا وصية العبد الصالح:( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) .
وقال عثمان بن أبي شيبة:حدثنا جرير ، عن أبي سليمان العتبي قال:كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز فيها الأمر والنهي ، فيكتب في آخرها:وما كانت من ذلك إلا كما قال العبد الصالح:( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) .