/م84
/م87
{ قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي} أي يا قومي الذين أنا منهم وهم مني ، وأحب لهم ما أحب لنفسي ، أخبروني عن شأني وشأنكم إن كنت على حجة واضحة من ربي فيما دعوتكم إليه وما أمرتكم به وما نهيتكم عنه فكان وحيا منه لا رأيا مني .{ ورزقني منه رزقا حسنا} في كثرته وفي صفته ، وهو كسبه بالحلال بدون تطفيف مكيال ولا ميزان ، ولا بخس لحق أحد من الناس ، فأنا مجرب في الكسب الطيب وما فيه من خير وبركة ، لا فقير معدم أخترع الآراء النظرية فيما ليس لي خبرة به ، أي أرأيتم والحالة هذه ماذا أفعل ؟ وماذا أقول لكم غير الذي قلته عن نبوة ربانية ، وتجارب غنى مالية ؟ هل يسعني الكتمان أو التقصير في البيان ؟
{ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} أي وإنني على بينتي ونعمتي ما أريد أن أخالفكم في ذلك مائلا إلا ما أنهاكم عنه مؤثرا لنفسي عليكم ، بل أنا مستمسك به قبلكم .وأصل المخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في قوله أو فعله أو حاله ، وأن يقال خالفه في الشيء ، فإذا خالفه فيما هو مول عنه تارك له قيل خالف إليه ، وإذا خالفه فيما هو مقبل عليه قيل خالفه عنه ، وفي كل منهما تضمين الفعل معنى الميل إليه أو عنه ، أو الرغبة فيه أو عنه .ومن الثاني قوله تعالى:{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [ النور:63] أي يخالفون الرسول راغبين عن أمره مائلين عنه .
{ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت} أي ما أريد إلا الإصلاح العام فيما آمر به وفيما أنهى عنه ما دمت أستطيعه لأنه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، ليس لي هوى ولا منفعة شخصية خاصة بي فيهما ، ولولا ذلك لما فعلته .قال القاضي البيضاوي:ولهذه الأجوبة الثلاثة على هذا النسق شأن وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره أحد حقوق ثلاثة:أهمها وأعلاها حق الله تعالى ، وثانيها حق النفس ، وثالثها حق الناس ، وكل ذلك يقتضي أن آمركم بما أمرتكم وأنهاكم عما نهيتكم .وما مصدرية واقعة موقع الظرف ، وقيل خبرية بدل من الإصلاح ، أي المقدر الذي استطعته ، أو إصلاح ما استطعته فحذف المضاف اه .وفي هذا إثبات لعقله ورويته ولرشده وحكمته ، وهو إبطال لتهكمهم واستهزائهم بلقب الحليم الرشيد ، والنبي فوق ذلك .
{ وما توفيقي إلا بالله} التوفيق ضد الخذلان ، وهو الفوز والفلاح في إصابة الإصلاح ، وكل عمل صالح وسعي حسن ، فإن حصوله يتوقف على التوفيق بين شيئين:أحدهما كسب العالم وطلبه الشيء من طريقه ، وثانيهما موافقة الأسباب الكونية والخارجية التي يتوقف عليها النجاح في كسبه وسعيه ، وتسخيرها إنما يكون من الله وحده ، والمعنى:وما توفيقي لإصابة ذلك فيما أستطيعه منه إلا بحول الله وقوته ، وفضله ومعونته ، وأعلاها ما خصني به دونكم من نبوته ورسالته .
{ عليه توكلت} في أداء ما كلفني من تبليغكم ما أرسلت به ، لا على حولي وقوتي .
{ وإليه أنيب} أي وإليه وحده أرجع في كل ما نابني من الأمور في الدنيا ، وإلى الجزاء على أعمالي في الآخرة ، فأنا لا أرجو منكم أجرا ، ولا أخاف منكم ضرا .