{شَغَفَهَا}: أي بلغ شغاف قلبها ،أي باطنه ،وقيل: وسطه .
شياع الخبر
ومضت امرأة العزيز في حبّها ليوسف ،يأخذ عليها كل كيانها ووجدانها ،ويملأ كل حياتها ،ولكنها لم تجرّب أن تمارس الضغط الجسدي عليه ،بعد فشل التجربة الأولى ،بل كانت تحاول إثارته بكل ما تملك من وسائل الإغراء ،في كل وقت ،مستغلة ضعف موقعه كعبد ،أمام قوة موقعها منه كسيّدة ومالكة له ،وتعاظم هذا الحب الذي بدأ يعبّر عن نفسه في نظرات العيون ،وحركات الجسد ،وكان الشغل الشاغل لها ،فلم تستطع معه أن تحفظ لنفسها بهذا السرّ ،فعرف الناس بذلك من خلال ما كانوا يشاهدونه في طريقة معاملتها له ،وفي ما كانوا يلاحظونه أو يستنتجونه من مراودتها له ،وهكذا شاع الخبر بين الناس ،وتلقفته أفواه النساء اللاتي رأين فيه مادّة طيّبة للحديث ،ولوناً من ألوان التندّر والسخرية بامرأة العزيز التي كن يضمرن لها بعض الحسد ،لموقعها المميز في الوسط الاجتماعي الذي ينتمين إليه ،وهذا ما حدثنا القرآن عنه .
مكر النسوة
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ} وتدعوه إلى ممارسة الفحشاء معها ،{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} وملأ كل قلبها حتى الأعماق ،وسيطر على كيانها ،حتى دفعها إلى الخيانة ،{إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} وأي ضلال أبعد وأوضح من عشق السيِّدة لعبدها ،في ما يمثله ذلك من خسّة في النفس ،وخروجٍ عن التقاليد ،وتنكّرٍ للموقع الاجتماعي الذي تقف فيه ،فإذا كان المجتمع الراقي يبيح للمرأة أن تخون زوجها وتتخذ لها عشيقاً ،فإن عليها أن تتخذه من داخل الطبقة المميزة التي تنتمي إليها ،لئلا تسيء إلى تقاليدها الطبقية التي تفرض إقامة الحواجز بينها وبين الطبقة السفلى ،فلا تتنازل السيدة فيه لعبدها مهما كانت الظروف ،في آية لفتة عطف ،فكيف يُسمح لها أن تدعوه إلى نفسها في علاقة جنس ؟!وهكذا بدأ الحديث عنها يتخذ منحىً خطيراً في تشويه سمعتها وتحقير مكانتها ،والتنديد بخروجها عن الأخلاق الطبقية التي يحترمها مجتمعها ،ويرى في الخروج عنها ضلالاً مبيناً ،وانحرافاً خطيراً ،وربما كان هذا الحديث صادراً عن سوء نيّة ،وشعور بالحسد لها ،لا عن إخلاص للقيم الاجتماعية ،والتقاليد الطبقية .