{وَأَعْتَدَتْ}: أعدَّت وهيأت .
{مُتَّكَئًا}: ما يتكأ عليه من فرش ونحوه .
{وَقَطَّعْنَ}: جرحن .
خطة الالتفاف
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} بما يتحدثن به عنها ،وما يسعين له من تحقير لمكانتها في المجتمع ،{أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} في دعوة اجتماعية لا توحي بأيّ طابع مميّز ،تماماً كما هي عادة النساء في اجتماعاتهن الخاصة ،لمناسبة فرحٍ أو حزن ،أو للأخذ بأسباب اللهو ،أو التحدث في أيّ أمر طارىء ،أو في أي شيء يملأ الفراغ ،ويمتّع النفس ،وكانت تريد مفاجأتهن ،والالتفاف على مكرهن بمكر أشدّ في عملية ذكية لتوريطهن بما تورّطت به ،ولايقاعهنّ في خطيئة التمرد على تقاليد المجتمع الطبقية ،فدعتهن إليها ،{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا} في ما يوحي به ذلك من المجلس المميز الذي يستسلمن فيه للراحة والاسترخاء ،ليأخذن حريتهن في الجلوس وفي الحديث في جوّ عائليّ حميم .{وَءَاتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مَّنْهُنَّ سِكِّينًا} لتقطع به الفاكهة التي قدمتها إليهن في هذا المجلس ،وهنا كانت المفاجأة التي لم يتهيّأن لها ،فلم يكن في البرنامج أو هكذا يبدو أن يخرج يوسف إليهن ،أو يجلس معهنّ ،لأن التقاليد الطبقية لا تسمح بذلك .{وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} في أمرٍ حاسمٍ صادر من السيدة لعبدها ،فخرج إليهن ،لأن موقعه يفرض عليه الطاعة لسيدته ،فإذا بالزلزال الروحي والعاطفي والشهواني يهزّ كل كيانهنّ ،ويسيطر على كل مشاعرهنّ ،في اندفاعةٍ ساحقة ،{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} لإشراقة وجهه وجمال صورته ،وسحر ملامحه ،وحلاوة شخصيته .
الدخول المفاجىء
لقد كان ذلك كله مفاجأة لهن ،لأنهن كن يتصورنه على صورة العبيد الذين لا يملكون آية ميزة جمالية ،ولهذا كنَّ ينكرن على امرأة العزيز أن تراود فتاها عن نفسه ،وأن تعشقه ،وقد لا يكون ذلك الإنكار ناشئاً من احترامهن للأخلاق والعفّة ،لأن مجتمعهن الطبقي لا يعير ذلك أهمية ،بل قد يكون ناشئاً من اعتبار موقفها شذوذاً في التصرّف ،وانحرافاً في الذوق تستسلم معه المرأة الكبيرة ،لعبد لا جمال فيه أو إثارة ...أما الان ،فقد وجدن لها كل العذر ،لأنهن وقفن أمام هذا الجمال الباهر العظيم في ذهول وانجذاب ،فقدن معه السيطرة على مشاعرهن ،ووعيهن ،حتى لم يعدن يعقلن ماذا يفعلن ،فعندما رأينه ،تركن تقطيع الفاكهة بالسكاكين التي قدمت لهن لذلك ،{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} من دون شعور ،فإذا بالدماء تسيل ،وهن لا يشعرن بالألم أمام سكرة النشوة بهذا الجمال ،{وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ} في تعبير يستنكر وصفه بالكلمات المألوفة التي تجعله من صنف البشر ،كأنهن يقلن حاش لله أن يكون كذلك في ما يقوله الناس عنه ،{مَا هَذَا بَشَرًا} لأن البشر لا يملكون مثل هذا الجمال الروحي الذي لا مثيل له ،{إِنْ هَذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} في ما يتصورن به الملائكة من السموّ في الجمال الخارق الذي لا يدانيه جمال في الكون ،لأنهم يمثلون أقصى حدود الروعة في التكوين .