قوله:{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} لما سمعت زليخا بحديث النساء عنها ما أشنعه في حقها بين الناس في مصر وقولهن ما يشينها وهو أن امرأة العزيز عشقت عبدها وقد راودته عن نفسه{أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} أي أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدثن في أمرها بشأن يوسف لتضيفهن وتصنع لهن الطعام في بيتها{وأعتدت لهن متكأ} من العتاد وهو العدة ؛أي أعدت وهيأت لهن مجلسا يتناولن فيه الطعام والشراب ويتكئن فيه على الفرش والنمارق{وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا} وذلك ليقطعن به الطعام{وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنّ} أمرته امرأة العزيز أن يخرج على النساء اللاتي في ضيافتها ليرين حسنه وجمال وجهه وهن في هذه الحال من تقطيع الطعام بالسكاكين .وهذه مكيدة من امرأة العزيز ،لتمكن هؤلاء النساء من رؤية يوسف فيبهرهن حسنه وجماله فيذهلن عنه ذهولا يحملهن على تقطيع أيديهن بدلا من تقطيع الطعام .{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي أعظمنه وأجللنه وبهتن لحسنه وجماله .وجعلن من فرط إعجابهن به يقطعن أصابع أنفسهن بالسكاكين بعد أن غلبهن الذهول والدهش .ولا نرغب في التهويل والمبالغة في وصف دهشهن وانبهارهن بيوسف أكثر مما ذكرناه .أما الزعم بأنهن جاءهن المحيض من شدة ارتياعهن لعظم جماله ،وأن بعضا منهم قد أتت عليهن صعقة الموت لروعة ما رأين من حسن يوسف ،فما نحسب مثل هذا القول إلا إغراقا في المغالاة المستفادة من تهويش الإسرائيليات .
قوله:{وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ}{حاش} ،أصلها حاشا ،حذفت الألف للتخفيف ؛أي معاذ الله ؛فهي كلمة تفيد التنزيه في باب الاستثناء ،نقول: أساء القوم حاشا زيد .وهي حرف من حروف الجر وضعت موضع التنزيه والبراءة{[2233]} ؛أي تنزيها لله من صفات العجز ،وتعجبا من قدرته على خلق مثله{ما هذا بشر إن هذا إلا ملك كريم} نفت النسوة عن يوسف –لما رأينه- كونه بشرا من البشر لغرابة جماله وعظيم حسنه وبهائه ،وقلن: ما هكذا يكون البشر ،وما هو إلا ملك من الملائكة الأطهار الكرام .وذلك إقرار كامل منهن أن يوسف مبرأ من مظنة الاتهام بالفاحشة فمثله في البراءة والتنزه وجمال الخلق والخلق مثل الملائكة الأبرار الأطهار الذين لا يقربون الفحش أو الدنس .