{وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ} لأن مثل هذه الوسائل لا تمنع الخطة المرسومة التي يريد الله للناس أن يخضعوا لها في قضائه وقدره في علاقة المسبّبات بالأسباب ،فإذا أراد الله شيئاً هيّأ أسبابه .وهكذا لم يُرد يعقوب أن يغيّر القضاء ،أو يعطّل الأسباب{إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} في ما كان يريده لهم من تحفظ يبعدهم عن المشاكل من بعض النواحي .ولم نعرفمن خلال القرآننوعية هذه الحاجة بالتحديد ،لكن ربّما كانت حالةً من الطمأنينة الداخلية التي أراد أن يعيشها في نفسه ،وربما كانت حاجته الملحة إلى رجوع يوسف إليه ،التي هيّأ الله له أسباب تحقيقها في سفر إخوته مع أخيهم غير الشقيق إليه ،الذي انتهى بلقاء يوسف وأخيه لأبيه وأمه ،وبذلك يكون الضمير في «قضاها » راجعاً إلى الله ،لا إلى يعقوبكما يذهب إلى ذلك بعض المفسرين،وربما كانت تلك الحاجة شيئاً لا نعلمه ،مما قد يكون معلوماً لدى يعقوب مما علّمه الله إياه من أسرار الغيب في ما يمكن أن نستوحيه من قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} .ولعلَّ المراد به العلم الخاص الذي يلهم الله به الأنبياء أو يوحي به إليهم من علمه ،الذي لا يريد أن يبينوه ،بل يريد لهم أن يعيشوه ،ويكتفوا في تبيانه على طريقة الإشعار أو الإيحاء لمصلحة ما هناك .{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} لأنهم يتعاملون في أمورهم من خلال الرؤية المحدودة للأشياء ،مما يحجب عنهم الكثير من الأسرار التي تختفي في غيب المستقبل ،أو في خلفيات الحاضر .