ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون 68 ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون69 فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون 70 قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون 71 قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم 71 قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين 73 قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين 74 قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين 75 فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم 76
دخلوا من أبواب متفرقة ، وتمثلت في يعقوب النبي صورة الأب الشفيق الذي يخشى على أولاده من كل شيء ، فإن الشفقة توهم ما لا يكون له حقيقة أو تكون له حقيقة ولكن بعيدة ؛ خاف على أولاده أن يعانوا ، أي تصيبهم العين ، فقال:{ يا بني لا تدخلوا من باب واحدة وادخلوا من أبواب متفرقة} ، ففعلوا استجابة للحنان الذي يغمرهم ، ولذا قال تعالى:{ ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم} ، أي من أبواب متفرقة حيث أمرهم أبوهم مما كان لا يغني عنهم من الله من شيء ، أي لا يدفع عنهم دون الله تعالى من شيء ، أي أن العين وأشباهها لا تدفع بالدخول من أبواب متفرقة ، إنما يدفعها الله إذا شاء{ إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} ، هذا استثناء منقطع ، على نظر الكثيرين من المفسرين ، والحاجة هي الخاطر الذي خطر على فكر يعقوب ، وصار في حاجة لأن ينصح ولده بأن يدخلوا من أبواب متفرقة ، وهذه الحاجة هي شفقته على أولاده ، وخوفه من العين تصيبهم ، كما أشرنا ، ومن المفسرين من أنكر خوف العين ، على مثل نبي الله يعقوب عليه السلام ، وقال:إنه الخوف من الملك إذا رآهم وأولادهم جميعا في أبهة وفخامة أن يبطش بهم ، والحاجة تحتمل الأمرين ، وربما كان يرشح للثاني قوله تعالى:{ وإنه لذو علم لما علمناه} من الحكمة والنبوة فلا يغني عن الله شيء وإنا نميل إلى هذا .
ورشحه أيضا قوله تعالى:{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون} بل يسيرون وراء ما يتوهمون ، وإن لم تكن له حقيقة ثابتة ، والله أعلم .
التقى يوسف بأخيه الحبيب المحسود من إخوته كما حسد هو ، وترتب على الحسد كيدهم له الذي أدى إلى وقوعه في الرق ثم نجاته ، وصيرورته عزيز مصر المنقذ .
التقى بأخيه فضمه إليه ، وأسر إليه وقال له: