{السِّقَاية}: وعاء يسقى به .
بين الغاية والوسيلة
{فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَاية فِي رَحْلِ أَخِيهِ} وهي الصاع التي كانت تستعمل للسقاية ،فقد أمر فتيانه أن يجعلوها في متاع أخيه ،{ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} وصاح صائح رافعاً صوته للإعلام بوجود شيء مفقود في رحل القافلة ،{أَيَّتُهَا الْعِير} أي القافلة{إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} .
هل ذلك حكم عليهم بالسرقة ؟ولكن كيف ذلك وهم لم يسرقوا ؟هل هو وارد على سبيل التورية ؟على أساس سرقتهم ليوسف من أبيهم ،وبيعهم له ،أو أنه مجرد توجيه للتهمة من ناحية شكليّة على سبيل الاستفهام ،من أجل الوصول إلى ما توخاه يوسف من احتواء أخيه عنده ؟وقد لا يكون في ذلك اية مشكلة ما دامت الغاية نظيفةً ،والوسيلة لا تضر أحداً ،لأن المسألة لا تعدو أن تكون مجّرد ضغط نفسيٍّ على إخوة يوسف ،بما يتضمنه الموقف من إحراج لهم أمام أبيهم ،ولكنه لا يؤذيهم في شيء ،بل قد ينفّس عقدتهم ضد يوسف وأخيه ،فقد تكون هذه الحادثة فرصةً للتشفي من هذا الأخ الذي حلّ محل يوسف في قلب أبيه دون أن يملكوا فعل شيءٍ حياله ،لا سيما أن الأب ما زال يعيش همّ يوسف في نظراته إليهم التي لا تخلو من ملامح الاتهام .
وفي تلك الحادثة يمكننا أن نستوحي فكرة أن الغاية تبرر الوسيلة ،إذا كانت الغاية أعظم من ناحية الأهميّة ،لأنها بذلك تنظّف الوسيلة ،وتطهّرها .وهكذا واجه فتيان يوسف إخوته باتهامهم بالسرقة ،وفوجىء هؤلاء الشباب بالتهمة ،فهم لم يسرقوا لأنهم ليسوا بحاجة إلى السرقة ،بالإضافة إلى أنهم يعرفون ما فعلوا ،الأمر الذي يثبت براءتهم ،أما أخوهم غير الشقيق فليس في تاريخه حالة سرقة ،مما جعلهم يجزمون بأن التهمة ناشئةٌ من سوء تفاهم ،أو من سوء فهم للواقع .لقد كان النداء صدمة كبيرة لهم ،ومفاجأة سيئة .