{فَتَحَسَّسُواْ}: التحسس: طلب الشيء بالحواس كالسمع والبصر .
لا تيأسوا من روح الله
{يا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} واطلبوه بكل ما تستطيعون توسله من أساليب تتحرك فيها حواسكم السمعية والبصرية ،فلعلكم تواجهون المفاجأة التي لا تخطر لكم على بال ،{وَلاَ تَيأسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّه} وفرَجه ،لأن المؤمن يبقى واثقاً بالله في كل أموره مهما ضاقت عليه الأحوال ،ومهما تعقّدت من حوله الظروف ،{إِنَّهُ لاَ ييأسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} لأن اليأس من الفرج لا يخلو من أحد أمرين ،إما الشك بقدرة الله ،وإما الشك بعلمه ،لأن الذي يمنع من حل المشكلة هو العجز عنها ،أو عدم معرفة أبعادها ،وكلاهما كفرٌ بالله ..
اليأس يوجب الكفر
وهذا ما قرّره الرازي في تفسيره حيث يقول: «واعلم أن اليأس من رحمة الله لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادرٍ على الكمال ،أو غير عالمٍ بجميع المعلومات ،أو ليس بكريم ،بل هو بخيل ،وكل من هذه الثلاثة يوجب الكفر ،فإذا كان اليأس لا يحصل إلاّ عند حصول أحد هذه الثلاثة ،وكل واحد منها كفر ،ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافراً ...» .
ومن خلال ذلك نعرف أن القرآن الكريم أراد أن يقتلع جذور اليأس من نفس الإنسان بإعادته إلى إيمانه لينطلق معه في وعيٍ ويقظة كبيرين ،يجعلانه يشعر بالأمل الذي يتفجر من ينابيع الإيمان كمثل الشعاع المنسكب من قلب الشمس في روعة الشروق .
وبهذا يلتقي الإيمان بالأمل في وحدة رائعة تجعل الروح التي تُشع أحدهما على الإنسان ،تُشع على الآخر عليه أيضاً كما هي حال كل شيئين متلازمين في الوجود .
أما اليأس فجذوره الكفر وإن لم يشعر الإنسان به بشكلٍ مباشر .وعلى ضوء هذا ،فإن على الإنسان الذي يعيش اليأس في قلبه ،أن يعيد النظر في إيمانه ،ليعرف إن كان منطلقاً من أساسٍ متين ،أو لا .
وربّما كان في طلب يعقوب منهم أن يتحركوا في ساحات العمل ،حتى في حالات اليأس بعض الإيحاء بأنّ على الإنسان ألاّ يستسلم لحالة اليأس عندما تحتل داخله ،ولا يحاول في سبيل الوصول إلى مواقع الأمل أن ينطلق في حالةٍ تجريديةٍ ،بل ينبغي له ،أن يتحرك على الأرض ويحرك الإمكانات المتوفرة لديه ،ليصل إلى الأمل الكبير من خلال الحركة المتصلة بالحياة المتحركة من حوله .وبذلك يتخلص الإنسان من عوامل اليأس النفسية ،بخطوات العمل الواقعية ،لتنعكس المسألة عنده ،فإذا كان التصور الأسود يجمِّد أمام الإنسان حركة الحياة ،فإن الحركة تحوّل الحالة النفسية المظلمة إلى حالة مشرقة من خلال المقولة التي تجعل التجربة في خدمة الفكرة ،بدلاً من أن تكون الفكرة حاجزاً أمام التجربة .