صرح لهم بشيء ممّا يعلمه وكاشفهم بما يحقق كذبهم ادعاء ائتكال الذئب يوسف عليه السلام حين أذنه الله بذلك عند تقدير انتهاء البلوى فقال:{ يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه} .
فجملة{ يا بني اذهبوا} مستأنفة استئنافاً بيانياً ،لأن في قوله:{ وأعلم من الله ما لا تعلمون} ما يثير في أنفسهم ترقب مكاشفته على كذبهم فإن صاحب الكيد كثير الظنون{ يحسبون كل صيحة عليهم}[ المنافقون: 4] .والتحسّس بالحاء المهملة: شدة التطلّب والتعرّف ،وهو أعم من التجسس بالجيم فهو التطلّب مع اختفاء وتستر .
والرّوْح بفتح الراء: النفَس بفتح الفاء استعير لكشف الكرب لأن الكرب والهمّ يطلق عليهما الغَمّ وضيق النفَس وضيق الصدر ،كذلك يطلق التنفس والتروح على ضد ذلك ،ومنه استعارة قولهم: تنفس الصبح إذا زالت ظلمة الليل .
وفي خطابهم بوصف البُنوّة منه ترقيق لهم وتلطف ليكون أبعث على الامتثال .
وجملة إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} تعليل للنهي عن اليأس ،فموقع{ إنّ} التعليل .والمعنى: لا تيأسوا من الظفر بيوسف عليه السلام معتلين بطول مدة البعد التي يبعد معها اللقاء عادة .فإن الله إذا شاء تفريج كربة هيّأ لها أسبابها ،ومن كان يؤمن بأن الله واسع القدرة لا يُحيل مثل ذلك فحقّه أن يأخذ في سببه ويعتمد على الله في تيسيره ،وأما القوم الكافرون بالله فهم يقتصرون على الأمور الغالبة في العادة وينكرون غيرها .
وقرأ البزي بخُلف عنه{ ولا تأْيَسُوا} و{ إنه لا يَأيس} بتقديم الهمزة على الياء الثانية ،وتقدم في قوله:{ فلمّا استيأسوا منه}[ سورة يوسف: 80] .