وكان حديثه بمثابة صدمة أعادتهم إلى الماضي فتذكروا ملامح يوسف ،في ملامح وجه العزيز ونبرات صوته ،وشعروا بروح الإيمان التي حدثهم عنها أبوهم يعقوب وما تمثله من انتظار الفرج من الله تواجههم الان ،فعرفوا في هذا العزيز أخاهم يوسف ،في ما يشبه الوحي ،أو اللمعة الفكرية والروحية التي تشرق في الذات ،فتضيء جوانب الحاضر من خلال الماضي .{قَالُواْ أَءِنَّكَ لأنتَ يُوسُفُ} هل هذا وهم وخيال ،أم هي الحقيقة التي تواجهنا ؟!{قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَآ} بلطفه وكرمه ،وأكرمنا من حيث أردتم إهانتنا ،وأعزنا من حيث أردتم إذلالنا ،وفتح لنا باب الحياة بأوسع مجالاتها .فأين نحن الآن وأين أنتم ،أليس في ذلك عبرة لكم ودرسٌ كبيرٌ ؟إن القوّة لا تصنعوحدهاالمستقبل ،وإن العدوان لا يحقّق نجاحاً ،بل الله ،الذي يتقيه المؤمن ،ويصبر امتثالاً لأوامره ،هو الذي يصنع للإنسان مستقبله كما صنع له ماضيه وحاضره ،وهو الذي يحقق له النجاح في حياته ،{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ} بما توحيه التقوى من إحسان العمل لله ،ويؤكده الصبر من إحسان للذات وللحياة ،{فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} الذين أحسنوا النية ،والعمل في كل خطوات الفكر والحياة .