{قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ}: رقيب عليها ومدبر لأمورها .
{أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} ويعلم خفاياها وأسرارها ،ويملك كل أمورها في ما يدبّر به أمر خلقه ،ويسيطر عليها في كل ما تقوم به من أعمال وتتخذه من مواقف ،ويملك مجازاتها في كل شيء ،كمن هو مخلوقٌ في نفسه ،محدودٌ في قدرته ،من هؤلاء الشركاء الذين دعوهم من دون الله ،دون حجّة أو برهان ،كما يوحي قوله تعالى:{وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ} ،كالأصنام التي عبدوها ،والأشخاص الذين أطاعوهم في معصية الله ،{قُلْ سَمُّوهُمْ} وأشيروا إليهم بالأسماء التي تليق بالإله والمعبود الذي يتميّز بصفات القدرة والعلم والغنى والخلق والرزق وغيرها من صفات الجلال والكمال ،فهل تستطيعون ذلك ؟وهل يثبت هذا الموقف أمام الحقيقة ؟إن النتيجة ستكون سلباً ،وستواجهون الخزي والعار في دعواكم هذه .
{أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ} هذا التعبير كناية عن عدم وجود ما لا يعلمه الله محيط بكل شيء ،فلو كان له وجود لعلمه ،{أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ} مما لا يثبت أمام النقد ،ولا يرتكز على حقيقة ،كما في الكثير من الأقوال التي لا تعبّر عن أيّة مسؤولية عن قضايا العقيدة والحياة .إنه التساؤل الذي يواجه هؤلاء ،حول ما اعتقدوه ،وما عبدوه ،ولا يملكون له جواباً ،{بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ} وما دبّروه للرسول وللرسالة من مكائد وأضاليل ،وما أثاروه حولهما من شكوكٍ وشبهات ،{وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ} القويم الذي أراد الله للناس أن يسيروا عليه ،وذلك من خلال ما سوَّل لهم الشيطان وأولياؤه من أوهام ،وزينه لهم من مواقف ،وحرّكهم نحوه من مشاريع وأعمال .وهكذا تركهم الله لضلالهم ،وأوكلهم إلى أنفسهم ،بعدما بيّن لهم الحق وأضاء لهم السبيل ،فتركوه وراء ظهورهم ،وانطلقوا إلى عالم الظلمات ،يتخبّطون فيها ،{وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} لأن للهداية وسائلها التي دل الله الإنسان عليها ،فمن أخذ بها عن إرادة واختيار فقد أخذ بأسباب الهدى ،ومن تركها عن تمرّدٍ وعناد فقد وقع في هاوية الضلال ،ويتركه الله لنفسه ،فيضلّ عن الهدى ،ولا يجد من دون الله هادياً ولا نصيراً .