{فَأَمْلَيْتُ}: أمهلت .
أخذ العبرة والعظة من التاريخ
يبقى للتاريخ دور العبرة والعظة والإلهام للأجيال المقبلة ،في جوانبه السلبية والإيجابية ،في ما يريد الله للناس أن يستلهموه ويتعظوا به لحياتهم المستقبلية في كل قضايا الحياة ،من دون أن يتحملوا مسؤوليته ،لأن التاريخ مسؤولية الأجيال التي صنعته ،وللآخرين مسؤولية العبرة والاستيحاء .
وهكذا يريد الله للناس الذين عاشوا الرسالة في بداية الدعوة ،أو الذين جاؤوا بعدها ،كما يريد للذين يحملون مسؤولية الرسالة في الدعوة وفي الممارسة ،أن يدرسوا تاريخ الرسل السابقين ،ليستفيدوا من التجربة الحية الواعية في انطلاقة الرسالة ،ويغذوا بمعطيات تجربة المرحلة السابقة مرحلة أخرى ،لا ترتبط بزمن محدد ،بل تمتد بامتداد حركة الحقيقة الخالدة في الحياة ،لتتكامل المسيرة على مستوى تكامل المراحل ،وتتتابع الدروس والعبر على مستوى القضية الواحدة .
تجربة الرسل من قبل
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ} أي من قبل أصحاب الامتيازات الطبقيّة والعائلية والاقتصادية الذين يحتلون مواقع القيادة الفكرية في المجتمع ،والذين هم غير مستعدين للاستجابة لمن هم أراذل الناس بادي الرأي ،لا سيما إذا كانت الأفكار التي يطرحونها بعيدةً عن المألوف من عاداتهم وعقائدهم ،وغريبةً عن تراث الآباء والأجداد ،فيواجهونهم بالسخرية والاستهزاء ضد مواقعهم الاجتماعية وأفكارهم الغريبة .{فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} فلم أعاجلهم بالعقاب ،بل تركت لهم الفرصة ،في المال والعمر والموقع والظروف ،ليمتدوا ما شاءت لهم ظروفهم تلك في الامتداد ،على ما هم فيه ،لتقوم الحجة عليهم في ما اعتقدوه ومارسوه من أعمال ،واتخذوه من مواقف ،فحقّ عليهم القول ،وعاجلتهم بالعذاب الشديد في الدنيا قبل الآخرة ،{فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} وكيف تساقطوا أمام العقاب فلم ينفعهم ما كانوا فيه ولم ينصرهم أحد ممن كانوا يعبدونهم من دون الله .