{قَارِعَةٌ}: مصيبة .
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} فتحركت معه ،{أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ} وشُقّقت به أنهار وعيون{أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} فجعلها تتكلم ،لكان هذا القرآن الذي أنزله الله بدلائله وبرهانه .ولكن لماذا يتحدث الكافرون بهذه الطريقة ؟ويُقدّمون هذه الاقتراحات ؟هل المسألة هي مسألة مزاجٍ ذاتيّ ،أو مسألة عنادٍ وتعنّتٍ ،أو هي مسألة إيمانٍ واقتناع ؟فإذا كانت المسألة مزاجاً وعناداً ،فإن الله لا يستجيب لذلك ،لأن الرسالات لم تأت لتعالج حالات مزاجية ،أو عُقَداً نفسية ،بل جاءت للتخطيط لمسيرة الإنسان الإيمانية في خط الفكر والعمل ،وإذا كانت القضية إيماناً في ما يريد الله أن يمهّده من وسائل الإيمان ،فإن للقرآن دلائله وبراهينه التي تؤكد أساس الإيمان وقاعدته ،وحركته وآفاقه ،وليس للناس من الأمر شيء في ذلك كله ،وفي غيره{بَل للَّهِ الأمْرُ جَمِيعًا} في ما يريد وفي ما لا يريد ،بعيداً عن كل ما يقترحونه ،أو ما يريدونه .
{أَفَلَمْ يَيأسِ الَّذِينَ آمَنُواْ} وقد جاء في تفسيرها ،أن المراد بكلمة «ييأس » يعلم أو يتبين ،على لغة هوازن ،وربما كان المراد منها معناها اللغوي المعروف من اليأس في مقابل الأمل والرجاء على سبيل الكناية عن المعرفة ،باعتبار أن نفي اليأس يؤكد الرجاء الذي يقترب بالفكرة من حركتها في صعيد الفكر والواقع ،الذي يؤدي إلى المعرفة الإيمانية بأن الله قادر على أن يهدي الناس جميعاً إلى خط الإيمان بالوسائل التكوينية الضاغطة على فكر الإنسان وإرادته ،فلا يملك فكاكاً ،ولا يستطيع انفصالاً عن الخط ،{أَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} بالجبر والإكراه ،ولكن الله العزيز الحكيم اقتضت حكمته أن يجعل مسألة الإيمان خاضعةً للإرادة والاختيار ،بعد إقامة الحجة ،بكل وسائل المعرفة ،ليهلك من هلك عن بيّنةٍ ،ويحيي من حيّ عن بيّنةٍ .
{وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} وتمرّدوا وواجهوا الرسول بالتكذيب{تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} من أنواع البلاء التي يرسلها الله إليهم في الدنيا فتقع عليهم ،{أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ} لتملأهم بالخوف ،ولتوحي إليهم بقدرة الله عليهم ،وتؤكد لهم أنهم أضعف من أن يتمرّدوا على الله ،أو يعاندوا وحيه ،فيشغلهم بأنفسهم وبمشاكلهم ،{حَتَّى يَأْتِي وَعْدُ اللَّهِ} بالنصر من عنده{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} ما وعد به رسله من النصر والمعونة والتأييد .
وهكذا تبقى للمؤمنين العاملين في خط الدعوة إلى الله ،ثقتهم الكبيرة بالله وبنصره ،لأن الله قد أخذ على نفسه ،في ما وعد به رسله والداعين إلى رسالاته ،أن ينصرهم ما داموا في خط النصرة لدينه ،والجهاد في سبيله .