في الأجواء الرسالية لحركة الصراع مع المشركين
وهذه جولةٌ أخيرة في أجواء حركة الرسالة والرسول في ساحة الصراع مع المشركين الذين وقفوا بوجه المفاهيم الجديدة التي طرحها الوحي الإلهيّ بهدف تغيير الفكر والسلوك والعلاقات التي تمس قضايا الحياة كلها .
خلق السموات والأرض بالحق
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ} ،الذي يجعل لكل ظاهرةٍ من ظواهرها ،ولكل حركةٍ من حركاتها ،ولكل موجود فيها ،سرّاً كونيّاً ثابتاً يمنع من العبث فيها ،وغاية حكيمة تخرجها من اللغو والباطل ،الأمر الذي يلتقي فيه النظام الذي يحكم ظواهر الكون ،بالنظام الذي يحكم حياة الإنسان على قاعدةٍ ثابتةٍ تحكم الخلق كله ،وبذلك يتحرك الخط الذي أراد الله للحياة أن تسير عليه ،في اتجاه الحق في التكوين والتشريع والممارسة في الدنيا ،ليكون الأساس الذي تلتقي فيه نتائج المسؤولية في الآخرة ،{وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ} وهي الحقيقة الإلهيّة الممتدة في عالم الغيب التي يؤكدها الله للإنسان لتحضر في وعيه هاجساً يثير لديه حسّ الالتزام كموقف ثابت يتخذه في كل مواقعه .{فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} ،والخطاب موجه إلى رسول الله ،وإلى كل داعيةٍ في مسيرته ،في أن لا يتعقّد من أيّ موقعٍ للباطل ومن كل حركةٍ لأهله ،بل ينفتح على الناس كلهم ،ليفتح على الحق عقولهم ،من خلال العفو عن مشاريعهم العدائية ،ومواقفهم التشنّجية ،ويصبر على ما يلاقي منهم بانتظار أن يعثروا على الحقيقة في رحاب الرسالة ،إنه الصفح الجميل ،لا عن الجريمة في الفكر والممارسة ،بل عن التجاوزات والتحديات التي يقوم بها الكفار في مواجهة الرسالة والرسول ،لاستناد الموقف الرسالي إلى قاعدة الإيمان بالله الذي ينصر بحكمته وقدرته رسله ،ولهذا فإن الصفح يأتي نتيجة إحساس بقوةٍ مستمدةٍ من الله .