التّفسير
يعود القرآن بعد طرح قصص الأقوام السالفةكقوم لوط وقوم شعيبوصالح إلى مسألة التوحيد والمعاد ،لأنّ سبب ضلال الإنسان يعود إلى عدم اعتناقه عقيدة صحيحة ،ولعدم ارتباطه بمسألة المبدأ والمعاد ،فيشير إِليهما معاً في آية واحدة ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إِلاّ بالحق ) .فنظامها محسوب ومحكم وهو حق ،وكذا هدف خلقها حقٌّ .
فيكون هذا النظام البديع والخلق الدقيق المنظم دليلا واضحاً على الخالق العالم القادر جلَّ وعلا ،وهو حق أيضاً ،بل هو حقيقة الحق ،وكل حق بما هو متصل بوجوده المطلق فهو حق ،وكل شيء لا يرتبط به سبحانه فهو باطل ..وهذا ما يخصّ التوحيد أمّا في المعاد فيقول: ( وإِنّ الساعة لآتية ) ..وإِنْ تأخرت فإِنّها آتية بالنتيجة .
ولا يبعد أن تكون الفقرة الأُولى بمنزلة الدال على الفقرة الثّانية ،لأنّ هذا العالم إِنّما يكون حقاً عندما يكون لهذه الأيّام الدنيوية المليئة بالآلام والمتاعب هدف عال يبرر خلق هذا الوجود الكبيرفليست الدنيا لنحياها وتنتهيولهذا فمسألة خلق السماوات والأرض وما بينهما حقّ يدل على وجود يوم القيامة والحساب ،وإِلاّ لكان الخلق عبثاً وليس حقّاًفتأمل .
وبعد ذلك ..يأمر اللّه تعالى نبيّه الكريم( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنْ يقابل عناد قومه وجهلهم وتعصبهم وعداءهم بالمحبّة والعفو وغض النظر عن الذنوب ،والصفح عنهم بالصفح الجميل ،أيْ غير مصحوب بملامة ( فاصفح الصفح الجميل ) .
لأنّك تملك الدليل الواضح على ما أمرت بالدعوة إِليه ،فلا تحتاج وإِيّاهم إلى الخشونة لتثبيت عقيدة المبدأ والمعاد في قلوب الناس ،فالعقل والمنطق السليم معك .
بالإِضافة إلى أنّ الخشونة مع الجهلة غالباً ما تؤدي بهم إلى الرد بالمثل ،بل وبأشد من ذلك .
الصفح: هو وجه كل شيء ،كوجه الصورة{[2045]} ،ولهذا فقد جاءت كلمة «فاصفح » بمعنى أدر وجهك وغض النظر عنهم .
وبما أنّ إدارة الوجه وصرفه عن الشيء قد تعطي معنى عدم الاهتمام والنفرة وما شابه ذلك بالإِضافة لمعنى العفو والصفح ،فقد ذكرت الآية المتقدمة كلمة «الجميل » بعد «الصفح » لكي تحدد المعنى الثّاني .
وفي رواية عن الإِمام علي بن موسى الرضا( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية أنّه قال: ( العفو من غير عتاب ){[2046]} .
وروي مثل ذلك عن الإِمام زين العابدين( عليه السلام ){[2047]} .
/خ91