قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ} .
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ؛أي ليدل بذلك على أنه المستحق لأن يعبد وحده ،وأنه يكلف الخلق ويجازيهم على أعمالهم .
فدلت الآية على أنه لم يخلق عبثاً ولا لعباً ولا باطلاً .وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة ،كقوله:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَالِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ} [ ص:27] ،وقوله{رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [ آل عمران:191] ،وقوله:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [ الدخان:38-39] الآية ،وقوله:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [ المؤمنون: 115-116] ،وقوله:{وَلِلَّهِ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأرْضِ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى} [ فاطر: 31] ،وقوله:{أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ألَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّ يُمْنَى} [ القيامة:36-37] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى:{وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ} [ 85] .
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الساعة آتية ،وأكد ذلك بحرف التوكيد الذي هو «إنَّ » وبلام الابتداء التي تزحلقها إن المكسورة عن المبتدأ إلى الخبر .وذلك يدل على أمرين:
أحدهماإتيان الساعة لا محالة .
والثانيأن إتيانها أنكره الكفار ،لأن تعدد التوكيد يدل على إنكار الخبر ،كما تقرر في فن المعاني .
وأوضح هذين الأمرين في آيات أخر .فبين أن الساعة آتية لا محالة في مواضع كثيرة كقوله:{إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ} [ طه:15] وقوله:{وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن في الْقُبُورِ}] الحج: 7] وقوله:{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [ الحج:1-2] الآية ،وقوله:{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ} [ الجاثية:32] الآية ،وقوله:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ}[ الروم:12] ،وقوله:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ} [ الروم:55] ،وقوله:{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ في السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [ الأعراف:187] ،والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً .
وبين جل وعلا إنكار الكفار لها في مواضع آخر .كقوله:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ}[ سبأ:3] وقوله:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ} [ التغابن:7] وقوله:{إِنَّ هَؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هي إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأوْلَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} [ الدخان:35] والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً .
قوله تعالى:{فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [ 85] .
أمر الله جل وعلا نبيه عليه الصلاة والسلام في هذه الآية الكريمة أن يصفح عمن أساء الصفح الجميل ؛أي بالحلم والإغضاء .وقال علي وابن عباس: الصفح الجميل: الرضا بغير عتاب .وأمره صلى الله يشمل حكمة الأمة .لأنه قدوتهم والمشرع لهم .
وبين تعالى ذلك المعنى في مواضع آخر .كقوله:{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [ الزخرف:89]{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} [ الفرقان:63] ،وقوله:{سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ} [ القصص:55] ،وقوله:{فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِي اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [ البقرة:109] الآية .إلى غير ذلك من الآيات .
وقال بعض العلماء: هذا الأمر بالصفح منسوخ بآيات السيف .وقيل: هو غير منسوخ .والمراد به حسن المخالفة ،وهي المعاملة بحسن الخلق .
قال الجوهري في صحاحه: والخلق والخلق: السجية ،يقال: خالص المؤمن ،وخالق الفاجر .