إنها العبادة لله التي تجعل كل الحياة له ،في كل رفّة جفنٍ ،ونبضة قلب ،ونفحة فكر ،ووثبة شعورٍ ،وفي كل تمتمة شفةٍ ،وفي كل نفحة روح .فلا يغيب الله عن وجدان المؤمن ،ولا يبتعد عن حركته ،فهو الحاضر أبداً في الكيان ،حضوره في الكون كله ،وفي الحياة كلها ،وتلك هي العبادة التي تنطلق فيها إنسانية الإنسان ،لتعيش في رحاب الله ،وترتفع إلى الملأ الأعلى ،حيث لا وجود إلا لله ،حيث السعادة المطلقة ،في ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
وهكذا يريد الله للإنسان النبيّ ،وللإنسان الداعية في خط الرسالة ،وللإنسان الذي يعيش في أجواء النبوّة والدعوة ،أن يرتفع في آفاق العبادة في حياته ،في نداءٍ حميمٍ واعدٍ بروحانية تعمر الفكر والقلب والشعور .
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} في نهاية الحياة ،لتقف على الشاطىء الآخر ،أمام الموت الذي لا يلغي حياتك وإحساسك بالحياة ،ولكنه ينقلها إلى عالم جديد ،تعيش فيه مع رضوان الله ،من خلال الحياة التي كانت تسبح لله ،وتسجد له ،وتعبده كما يمكن لها أن تعبده ،وتلك نهاية المطاف للإنسان الذي يستريح للوحي ،فيستريح إلى المصير الأبدي في جِنَان الله .