يريد الله للناس أن يلتقوا به من خلال مفردات حياتهم اليومية ،حيث تشكل الحيوانات الأليفة بما تتضمنه من منافع للناس على مستوى المأكل والمشرب والملبس والتنقل ،جزءاً أساسياً من مفردات تلك الحياة ،وحيث يمكنهم أن يتحسسوا فقرهم المطلق لله وحاجتهم المطلقة إليه ويشعرون بالتالي بحضوره الشامل الدقيق في حياتهم ،فيزدادون إيماناً به ،ويفكرون بالعودة إليه ،عندما يغريهم الشيطان بالابتعاد عنه ،لأنهم لا يملكون الانفصال عنه ،لارتباط حياتهم كلها به .وبهذا يتحول الإحساس بالمادّة ،إلى عنصر فاعلٍ في نموّ الجانب الروحي في شخصية الإنسان ،لما تتضمنه من عظمة تشير إلى عظمة الله في خلقه ،ولما تدل عليه من نعمة تشير إلى رحمة الله ،الأمر الذي يجعل من المادة شيئاً روحياً في المعنى والإيحاء ،بعد أن كانت شيئاً مادّياً في الشكل والصورة ،وبهذا نستطيع أن نحرّك المعاني الروحية في كل مظاهر المادّة في الحياة ،كأسلوب تربويّ متوازن ،لا يلغي في المادّة خصائصها المادية ،في ما يفرضه العلم من وعيٍ للقوانين الطبيعيّة التي تحكمها في وجودها التكويني ،ولكنه ينفذ إلى داخل تلك القوانين ليبصر فيها معنى القدرة والحكمة والرحمة والنعمة التي توحي للإنسان بالمعنى الإلهيّ الكامن في سرّ الأشياء .
{وَالأنْعَامَ} من الإبل والغنم والبقر{خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} تتقون به البرد ،بما تلبسونه أو تتدثرون به ،أو تجلسون عليه ،من جلودها وأصوافها وأوبارها ،التي تمنحكم مقداراً من الحرارة تبعد عنكم الإحساس بالبرد{وَمَنَافِعُ} في ما تستفيدونه من هذه الأشياء أو من ألبانها وشحومها في حاجاتكم العامة{وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} مما تستطيبونه من لحومها وشحومها