{خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ} لا تمثّل شيئاً مهماً على مستوى الحجم ،بل هي نقطة منيٍّ صغيرة تتحول إلى مضغة فعلقة تندرج في دور التكامل الجسدي لتصبح صورة إنسان كامل ينطق ويفكر ويتحرك ،ويبتعد عن الإحساس بحقارة البداية ،{فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} يجادل في الله ،ويخاصم في شؤون العقيدة ،وقد يقوده الجدال إلى الكفر ،وقد تؤدي به المخاصمة إلى الضلال ،وقد يتساءل عن وجوده كيف بدأ ،دون أن يفكر بالأفق الأعلى الذي يفسر هذا الوجود وكيفية خضوعه للحتمية التي تربط بين حركة الممكن في الكون ،وبين إرادة الواجب في وجوده ،كما قد يتساءل كيف يمكن أن يبعثه الله من جديد بعد أن يتحول إلى تراب ،لأنه لا يفكر ببدايته التي كانت من عدم ،حيث لا يستبعد أن تكون النهاية عودةً للوجود من خلال ما كان ،وإرادة في حركة الشكل ،مع وحدة الجوهر .
وفي ذلك إيحاء إلهي للإنسان بأن الخصام والجدال قد يطرقانه في زهوٍ كاذبٍ ،وعظمةٍ فارغةٍ ،بقدرته على الوصول إلى نتائج ضخمة ،يؤكد من خلالها ذاته ،فيبتعد بذلك عن التفكير في عمق الأشياء لجهة ما انطلقت منه ،وما ارتكزت عليه ،ما يؤدي به إلى الكفر والضلال ،عندما يبتعد عن نقطة الانطلاق التي ركز الله السماوات والأرض عليها ،وهي الحقّ الذي لا ريب فيه .