{فَطَرَكُمْ}: خلقكم .
{فَسَيُنْغِضُونَ}: يحرّكون رؤوسهم بارتفاع وانخفاض استهزاءً .
{أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} مما تشاهدونه أو تسمعون به .كونوا كما تشاؤون أن تتصوروا أنفسكم فيه ،وتبدّلوا في أية صورةٍ من الصور ،فليست المشكلة كامنة في طبيعة الشكل الذي تتمثل فيه الحياة أولاً ،ثم تموت ،لتعود من جديدٍ في عملية البعث الأخروي ،بل هي مشكلة القدرة التي تملك سرّ الحياة في البداية ،وفي النهاية ،{فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا} في سؤالٍ ساذجٍ يتحرك في حجم اللحظة ،لا في عمق الفكرة .وتلك هي مشكلة الكثيرين ممن يتحرّكون في العقيدة ،بعيداً عن الأسس الفكرية التي ترتكز عليها في محاكمةٍ واعيةٍ عميقةٍ للشبهات التي تحيط بالمسألة ،واستنتاجٍ دقيقٍ للمضمون .
{قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهو الله الذي تعتقدون أنه خلقكم من العدم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً ،لأنه يملك القدرة على أن يعطي الحياة سرّها ،فهو القادر على أن يعيدها من جديد ،إذ إنّ عملية الإعادة أكثر سهولة من عملية الخلق في الابتداء .{فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} ويحركونهافي حالة تعجبوينحنون أمامك انحناءة العاجز عن ردّ الحجة بمثلها لأنهم لا يملكون ذلك ،فيبادرون إلى الهروب من الجواب ،إلى توجيه سؤالٍ آخر يستبعد المسألة في حساب الزمان ،وقد يكون في موقع الساخر منها .
{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ} فها هي الحياة تتقدم ،والأموات يتكاثرون ويزدادون ويتحولون إلى عظامٍ ورفاتٍ ،ولا نجد أحداً منهم يعود من جديدٍ إلى الحياة ،بالرغم من تقادم الزمن عليه{قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} فهو سرّ الله الذي اختص به ،ولم يعرّفه لأحدٍ من عباده حتى لأقرب رسله إليه ،ولكنه سيأتي ،لأن الله الصادق في وعده قد أخبرنا به ،والعقل القاطع قد حكم بإمكانه ...فانتظروه في إيمان الواثق بحصوله ،فقد يأتيكم قريباً من حيث لا تشعرون ولا تعلمون .