الأنبياء والتصور المنحرف عنهم
لعل مشكلة الأنبياء هي في التصور المنحرف لدى الناس الذين كانوا يعيشون معهم عن فكرة النبوة والنبيّ ،فقد كانوا يعتقدون بأن النبوّة حالةٌ غير عادية ،باعتبارها تفويضاً إلهياً للنبيّ بأن يتحرك في الأرض مع الناس بقدرة خارقة ،لأنه وكيل الله لدى الإنسان ،فيجب أن يتمتع بإمكاناتٍ عظيمةٍ يغيّر بها الكون ،ويحكم بها الحياة ،فيعمل كل ما يريد ،أو ما يراد منه ،من تغيير ظاهرةٍ كونيةٍ ،أو الإتيان بما يعجز البشر عن مثله .
لذا كانوا يتصوّرون أن النبي لا يمكن أن يكون بشراً ،وكون محمد ( ص ) لا يملك مثل هذه القدرة المطلقة ،فقد مثل ذلك مشكلةً في علاقة الناس به وإيمانهم برسالته ،مما أثار في فكرهم حالة شكٍ أو استهزاءٍ .وفي هذا الاتجاه ،كان حوار قريش مع النبي محمد( ص ) حول مسألة الرسالة ،وشروطهم للإيمان بها وبه ،من خلال ما كانوا يسمعونه من معجزة موسى أو عيسى ،وغيرهما من الأنبياء ( ع ) في ما يدهش الفكر ويخطف البصر من خوارق العادة ...وإذا كان القرآن هو المعجزة التي جاء بها النبي ( ص ) ،فإنهم لا يرون في ذلك حالةً غير عادية ،لأنها لا تتصل بالظاهرة الكونية ،بل ترتبط بالعنصر الغني للتعبير ،مما يمكن أن يكون قمةً في الإبداع لا يبلغها أحد ،ولكنها لا تتلاءم مع معجزات الأنبياء الآخرين ،ولا تغيّر أية ظاهرةٍ من ظواهر الحياة حولهم .
ولكنّنا نعلم أن الله قد أرسل رسله كي يفتحوا عقول الناس وقلوبهم على الحق ،من خلال المنهج الفكري الذي يقودهم إلى اكتشافه بالفكر الدائب على البحث ،والوحي المنفتح على تفاصيل الحقيقة ...ولم تكن المعجزة أساساً في ذلك ،بل كانت ردّاً للتحدّي الكبير الذي يحاول أن يُسقط الدعوة أمام الناس ،كما في مسألة فرعون وموسى وأمثالها .ولذلك لم يستجب النبي ( ص ) للتحديات الطارئة الذاتية ،لأنها لا تمثل شيئاً في حركة الدعوة ،ولا تثير أيّ غبار في وجهته العملية إلا بشكل بسيط .
{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا} فيحول الصحارى القاحلة الجرداء إلى أرض يتفايض منها الماء