إن القرآن معجزة غير مزعجة ولا قارعة ، ولكنها مخاطبة للعقل الذي يذعن الحقائق والقلوب المشرقة بنور الهداية ولذا طالب أهله بمعجزات قارعة ، لا لنقص في معجزة القرآن ، بل لأنهم لا يؤمنون ولأنهم ناقصون في مداركهم ، ولذا قال سبحانه عنهم:
{ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ( 90 ) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ( 91 ) أو تسقط السماء كم زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ( 92 ) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا تقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ( 93 )} .
لم تصل أفهامهم إلى القرآن حتى يقتنعوا به معجزة ، أو اقتنعوا به معجزة ولكنهم يمارون ويستمسكون بما هم عليه من جهل وضلال ، ويتعللون بالرفض وهم في ذات أنفسهم غير رافضين ، أخذوا يطلبون ما يحسبون يعجز النبي صلى الله عليه وسلم فإذا عجز يعد عن دعوته ويستريحون منه ، ومن هذا الدين الجديد .
{ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ( 90 )} .
{ وقالوا لن نؤمن} أكدوا ب{ لن نؤمن} ، أي لن نؤمن مسلمين بصدق ما تدعونا إليه ، حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ، الينبوع العين التي يخرج الماء منها ،{ تفجر} ، أي تشق لنا هذا الينبوع المستمر ، وكانت أرضهم جافة من الماء وهي صخرية فهم يطلبون منه أن يشقق هذه الأرض الصلبة فيخرج منها الماء المستمر الذي يكون كالغيث يشربون منه ، ويسقون زرعهم .