{ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى} لتؤكدوا بذلك شرعية أوضاعكم بانتساب خطّكم إلى خطّ إبراهيم ،الذي كان الرمز العظيم للقاعدة الرسالية الممتدة في حركة الرسل والرسالات ،لتحصلوا على غطاء رسالي لانحرافاتكم الفكرية والعملية .{ قُلْ ءَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّه} ،وقد أخبركم بأنَّ التوراة والإنجيل اللتين تنتمي إليهما اليهودية والنصرانية قد أنزلتا من بعدها ،فكيف يكون انتماؤه إليهما من خلال الصفتين اللتين تلصقونهما به ،وذلك هو قوله تعالى:{ يا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإْنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[ آل عمران:65] .وهذا الاستفهام للتوبيخ لا للحقيقة ،إذ لا معنى لها في الموضوع ،فوزانه وزان قوله تعالى:
{ أَءَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَهَا}[ النازعات:27] .
ومعناه كما يقول صاحب مجمع البيان: قل يا محمَّد لهم: أأنتم أعلم أم اللّه ،وقد أخبر سبحانه أنهم كانوا على الحنيفية وزعمتم أنهم كانوا هوداً أو نصارى فيلزمكم أن تدّعوا أنكم أعلم من اللّه وهذا غاية الخزي .
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّه}مما يعلمه من شؤون الرسل والرسالات ،لأنَّ ذلك يؤدي إلى تشويه الحقيقة وتزييف الواقع وإيقاع النّاس في الضلال ؛وهو من أبشع أنواع الظلم ،لأنه يسلب الإنسان حقّه في وعي الحقيقة الرسالية التي تتوقف عليها استقامة الإنسان في حياته ،
{ وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}من كلّ هذه الانحرافات الفكرية والعملية ،فيحاسبكم عليها تبعاً للنتائج السلبية التي تترتب عليها في حياتهم وحياة النّاس من حولهم ،