] وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِى السَّبْتِ[ وتلاعبوا بأمر اللّه ونهيه ،فابتعدوا به عن غايته وحوّلوه إلى مسألة شكلية لا تحمل في داخلها أي مضمون ،وذلك أنَّ اللّه سبحانه نهاهم عن الصيد يوم السبت ،فكانت الأسماك والحيتان تأتي يوم السبت لشعورها بالأمان ،فما كان منهم إلاَّ أن استعملوا طريقة يحبسون فيها الأسماك في ذلك اليوم ،فلا تملك الخروج من الطوق الذي نصبوه لها ،فيأتي يوم الأحد الذي لا نهي فيه ،فيحصلون فيه على ما أرادوا الحصول عليه في يوم السبت ،فلم يعد للنهي أية قيمة عملية من ناحية النتائج الواقعية .وهذا ما جعل القضية في سلوكهم هذا تتحوّل إلى اعتداء على الشريعة ،فكان عقاب اللّه لهم شديداً لا عهد لهم به] فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ[ أي مسخناهم على شكل القردة ،وطردناهم من رحمة اللّه ،وأبعدناهم عن كلّ مواقع الإنسانية والكرامة .
وقد اختلف الرأي في هذا المسخ هل هو حقيقي ،أم هو معنوي تمثيلي ؟فالمعروف هو الأول ،لأنَّ ظاهر القرآن هو ذلك من دون ما يمنع من إرادته من اللفظ ومن دون قرينة على إرادة خلاف الظاهر ،وأمّا الرأي الثاني ،فهو ما ذهب إليه مجاهد حيث قال: «لم يُمسخوا قردةً وإنما هو مَثَل ضربه اللّه كما قال:] كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً[ [ الجمعة:5] ،وحكي عنه أيضاً: أنه مسخت قلوبهم فجعلت كقلوب القردة لا تقبل وعظاً ولا تتقي زجراً » .ويقول صاحب مجمع البيان تعليقاً على ذلك: «وهذان القولان يخالفان الظاهر الذي أكثر المفسرين عليه من غير ضرورة تدعو إليه »