{وَفَتَنَّاكَ}: ابتليناك واختبرناك .
{إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ} فتدخل إلى بيت فرعون كإنسانة عادية لا علاقة لها بالصبي ،فتجد القوم مشغولين به ،متسائلين عن المرأة الصالحة لرعايته وكفالته ،فتستفيد من هذه الحالة الحائرة لتوجيه الاهتمام إلى أمه ،باعتبارها الإنسانة القادرة على إرضاعه والعناية به ..،{فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ} قالتها ،بكل عفوية ،لتوحي إليهم بأن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد اقتراح بريء .وهكذا تقبل القوم الاقتراح بكل بساطة ،{فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَي تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ} لتعود إليها بصفة جديدة ،وهي صفة المرضعة المربية التي تملك حرية التصرف في ظل الرعاية والحماية الرسمية التي تبتعد به عن نقطة الخطر ،وتمنحه إمكانية العيش الرغيد ..
موسى( ع ) في خضم التجربة
ومرت الأيام ..ونشأ موسى قوياً في بدنه ،جريئاً في موقفه ،شجاعاً في حركته ،وجاءت المشكلة التي اصطدم بها بشخص من قوم فرعون فقتله ،وعاش حياة التشرُّد من خلال ذلك خوفاً من مطالبتهم له بدمه ،{وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ} الذي كان يثقل صدرك ،في ما كنت تعيشه من قلق وحَيْرَةٍ وخوف ،{وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} أي واختبرناك اختباراً في ما ابتليناك به من أحداث وأوضاع تثير المشاكل في حياتك ،وتعرّضك للأخطار ،وجعلناك تعيش أكثر من تجربة قاسية من أجل أن يشتد عودك ،وتقوى إرادتك ،وينمو عقلك من قلب الأحداث الصعبة .
وتلك هي الفكرة الإيمانية القرآنية التي تعتبر الفتنة التي يفتن بها الإنسان المؤمن في حياته ،في ما يواجه من بلاء وخطر وخوف ،امتحاناً واختباراً من أجل التدريب على مواجهة الصعوبات والخروج منها بقوة وسلام ،للوصول إلى النتيجة المطلوبة الحاسمة ،وهي إعداد الإنسان المؤمن القوي الذي لا يواجه الحياة من موقع السهولة والاسترخاء ،بل من موقع الصعوبة والمسؤولية ،ليكون أقدر على حمل الرسالة ومواجهة التحديات أمام الأعداء .
{فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} وهي المدينة التي وصلها عند خروجه هارباً من ملاحقة السلطات الفرعونية له ،بعد أن قتل الفرعوني القبطي ،والتقى بها شعيب النبي( ع ) الذي رعاه واستقبله بكل رحابة وإكرام ،وزوّجه ابنته واستطاع أن يكتسب في هذه المرحلة الكثير من الدروس في ما تعلمه من شعيب وفي ما مر به من تجارب .
{ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يا مُوسَى} في ما قدره الله وخطّطه لك من هذه المرحلة الصعبة من حياتك ،التي استكملت فيها عناصر شخصيتك القوية بعد كل هذه الابتلاءات العظيمة ،ليجعلك صالحاً لحمل الرسالة بكفاءة وقوة ،