{ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ} أي يضمن حضانته ورضاعته .فقبلوا قولها .وذلك لأنه لما استقر عند آل فرعون ،عرضوا عليه المراضع فأباها كما قال تعالى:وحرمنا عليه المراضع} فجاءت أخته فقالت{ هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} فجاءت بأمه كما قال:{ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ} أي مع كونك بيد العدو{ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} أي برؤيتك{ وَلَا تَحْزَنَ} أي بفراقك .فهذه من زائدة على النجاة من القتل .
ثم أشار إلى ما من عليه بالنجاة من القتل الذي لا يدفع بتلبيس ،بقوله:{ وَقَتَلْتَ نَفْسًا} أي من آل فرعون ،وهو القبطي الذي استغاثه عليه الإسرائيلي ،إذ وكزه موسى فقضى عليه .أي:فاغتممت للقصاص{ فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ} أي غم القتال بأن صرفنا عنك ما تخشاه .وذلك انه عليه السلام فر من آل فرعون حتى ورد ماء مدين .وقال له ذلك الرجل الصالح:{ لا تخف نجوت من القوم الظالمين}{ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} أي ابتليناك ابتلاء .على أن ( الفتون ) مصدر كالشكور ،أو ضروبا من الفتن على أنه جمع ( فتنة ) أي فجعلنا لك فرجا ومخرجا منها .وهو إجمال لما سبق ذكره .
{ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} أي معزز الجانب مكفي المؤونة في عشرة أتقى رجل منهم وأصلحهم ،وهو نبيهم عليه السلام:{ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} أي بعد أن قضيت الأجل المضروب بينك وبين شعيب من الإجارة ،جئت بأهلك على وفق ما سبق في قضائي وقدري ؛ أن أكلمك وأستنبئك في وقت يعينه قد وقته لذلك .فما جئت إلا على ذلك القدر ،غير مستقدم ولا مستأخر .فالأمر له تعالى .وهو المسير عباده وخلقه فيما يشاء .
قال أبو السعود:وقوله تعالى:{ يا موسى} تشريف له عليه الصلاة والسلام ،تنبيه على انتهاء الحكاية التي هي تفصيل المرة الأخرى التي وقعت قبل المرة المحكية أولا .