...وكان فرعون يستمع إلى موسى بهدوء غريب ،فلم يثر ولم يتشنّج ولم يتعقّد من هذا الكلام ..هذا ما يوحي به الجوّ على الأقل ،وربما أثار فيه نوعاً من التساؤل والفضول الباحث عن المعرفة ،فاستسلم لهذا الجو الغامض الجديد الذي أخذ عليه كل شعوره ،حتى ليخيل إليه أنه يعيش في جو مسحور ،{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يا مُوسَى} إنهما يحدثانه عن ربه ،كما لو كان معترفاً به ،ولكن الرب يحتاج إلى اعترافٍ من المربوب ليستكمل علاقة الربوبية بطريقة طبيعية ،لأن الناس قد اعتادوا أن يتخذ كل واحد منهم رباً لنفسه ،في ما يتعبّد له ،أو يقدم له القرابين ،أو يمارس معه الطقوس ،انطلاقاً من شعوره بالضعف أمامه ،أو بحاجته إلى قوة فوقية يخترعها خياله إذا لم تكن حقيقة ،أو بالإيحاء الداخلي بأنه يملك أسراراً غيبية مقدسة بالمستوى الذي يجعله أقرب إلى ربّ الكون من غيره ،فيقرب الناس إليه ليكون معبودهم .
وهكذا كان اعتراف موسى وهارون به موجباً لحدوث علاقة الربوبية والمربوبية بينهم .ولكن كيف ينسبانه إليه ،وهو لا يعرفه ولا يعترف به ؟فليتجاهل هذه النسبة ،وليسألهما عن طبيعته ،فلعل المعرفة الحاصلة بالجواب ،توحي إليه ببعض الأفكار التي تدفعه إلى موقف إيجابيٍّ أو سلبيٍّ في المسألة .
{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يا مُوسَى} وكان الخطاب لموسى ،لأنه هو الشخص الأصيل في الموقف في ما تصوره فرعون من دراسة المسألة ،وفي ما هو الواقع