{لَكَبِيرُكُمُ}: رئيسكم ،معلمكم .
{مِّنْ خِلاَفٍ}: أي أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ،والعكس بالعكس .
{قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} فكيف فعلتم ذلك ،إنها الجرأة على الإله السيد العظيم الذي لا يجوز لأحد مهما كانت رتبته أن يقوم بأي عمل ،أو يعلن أي موقف يتعلق بنفسه أو بالآخرين ،إلا بعد أن يحصل على موافقته ،فهو الذي يحدد لهم ما يصلحهم ،وما يفسد حياتهم ،لأنه الذي يعرف من ذلك ما لا يعرفون من أمور الحياة .ثم حاول أن يغطي فشله وضعفه ،ويمنع تأثر الناس بموقف السحرة الإيماني أمام موسى( ع ) ،فحاول أن يهرب من المسألة بتصويرها بصورة الحالة التآمرية الخفية الحاصلة بين موسى وبين السحرة للقيام بهذه التمثيلية المسرحية ،للإيقاع بفرعون ،وإضعاف ملكه ،وإخراج أهل مصر من مصرهم .و{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} وبذلك كان دوركم دور التلاميذ الذين يخضعون لأستاذهم في ما يأمرهم به وينهاهم عنه ،وفي ما يوجههم إليه .وهكذا أوحى أن دورهم كان امتداداً لدوره .
وبذلك حاول أن يستوعب مشاعر الجماهير لمصلحته ،تماماً كالكثيرين من الطغاة الذين يحاولون أن يدرسوا مع الأجهزة الإعلامية الفنية ما هي أفضل الواجهات التي يثيرونها أمام الفئات المعارضة التي تهدد سياستهم وحكمهم ،ليلصقوا بهم مختلف التهم التي تحاصرهم في الساحة الجماهيرية لتخفف من تأثيرهم على الآخرين .وبذلك ينجحون في عزلهم عن الأمة مستغلين عجزها عن فهم ألاعيبهم وأسرارهم ،وهذا ما يجعلنا نستوحي من هذا الأسلوب الفرعوني كيف نواجه أسلوب الكثيرين من الفراعين المعاصرين والمستقبلين في ما يضللون به شعوبهم تجاه التحديات التي توجه إليهم من المصلحين الرساليين .
ثم بدأت عملية التهديد بالعقاب ،في محاولة فرعونية لدفعهم إلى التراجع عن موقفهم ،والابتعاد عن موسى ،ليضمن بذلك الحصول على بعض ما فقده من القوة المعنوية أمام الجماهير .
{فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} أنا أو موسى ،لتعرفوا من هو الأقوى ،ومن هو الأبقى .وستندمون ،لأن موسى( ع ) لا يملك أي شيء من سلطة الدنيا وسطوتها ،فلن تحصلوا منه على شيء ،بينما أملك كل شيء من حولي وكل مواقع القوة والنفوذ ،فأعطي من أشاء وأمنع من أشاء ،وأقتل من أريد ،وأعفو عمن أريد ..
ولكن القوم قد دخلوا في عالم آخر ..،فقد التقوا بالله في روحية الإيمان به ،وقد انفتحوا من خلاله على عالم القدس والطهارة ،وعاشوا مع عالم الغيب المطلق الذي لا تحده أية حدود .ولم تعد الدنيا تمثل لهم أي شيء في غناها وفقرها ،ورفعتها وضعتها ،وقوتها وضعفها ،بل أصبحت الآخرة أكبر همهم وأفضل طموحاتهم ،ولذلك كانت مواجهتهم له من موقع القوة الكبيرة المتحدية في روحيتهم الهادئة الصافية المطمئنة .