{قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} إني أناشدك الأم التي حملتنا معاً مما جعل العلاقة بيننا أعمق من أية علاقة أخرى ،وأسترحمك أن تهدأ وأن تبرد غضبك الذي دعاك إلى أن تتصرف معي بقسوة ،فتأخذ بلحيتي وبرأسي لتشدهما بغير رحمة ،وأريد منك أن تستمع لي بهدوء .
لم يكن الأسلوب الذي اتبعته ناشئاً من موقف ضعف ،أو مخالفة للتعليمات ،بل كان ناشئاً من دراسة هادئة للموقف .فقد كان الجو المسيطر على الساحة انفعالياً ،وقد كان بحاجة إلى شخصية تفرض نفسها على القوم من موقع قوة تمارس تأثيرها عليهم ،بعيداً عن طبيعة الأسلوب الذي تتبعه معهم .فهي التي يمكن أن تفرض نفسها على الجميع بقوة ،وهذا ما تملكه أنت ،في موقعك عندهم ،لأنك الذي هزمت فرعون أمامهم وحررتهم من العبودية له ،ما جعلك عندهم في مواقع القوة العليا ،بالإضافة الى صفتك الرسالية ،أما أنا فلا أملك أمامهم ما تملكه ،ولذلك فقد يكون تدخلي العنيف موجباً لانقسام القوم بين مؤيد ومعارض ،ما يوجب اختلال العلاقات فيما بينهم ،وإفساد الواقع الاجتماعي الذي قد يتحول إلى قتال .وقد فهمت من كلامك أنك تريد مني أن أصلح بينهم ،ولهذا فقد أعلنت الموقف ،وتركت الحل الحاسم لك عندما تعود ،لتعالج المسألة من موقع الوحدة لا من موقع الخلاف .
{إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} في جمع شملهم وتوحيد كلمتهم .وقد استوعب موسى حديث هارون معه في تبرير موقفه في ما نستوحيه من الآية الكريمة:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَحِمِينَ} [ الأعرافك151] .
ملاحظة على موقف موسى من هارون
ولنا ملاحظة على الموقف العنيف الذي اتخذه موسى( ع ) من أخيه ،هذا الموقف الذي أبدى فيه غضباً ظاهراً على ما وصل إليه حال قومه في غيابه .
إننا لا نجد في موقفه هذا ابتعاداً عن خط الطاعة لله ليكون منافياً للاستقامة الشرعية في دائرة العصمة ،ولكننا نجد فيه انسياقاً مع نقاط الضعف الانفعالية التي توحي بأن بشرية النبي قد تدفعه إلى نقاط الضعف الطبيعية التي قد يغفل فيها عن بعض المناسبات الشكلية أو المعنوية .