{يَسْتَحْسِرُونَ}: الاستحسار: الانقطاع عن الإعياء .
..ويستمر الحديث عن الله في دائرة التوحيد المطلق الذي يُطلّ على الوجود كله ،بكل ما فيه من موجوداتٍ ومخلوقاتٍ ،ليوحي بالعبودية المطلقة الناشئة من الملك المطلق الذي يحتويهم جميعاً ،فلا أحد إلاَّ وهو مخلوقٌ له ،ولا شيء إلاَّ وهو مملوك له ،وبذلك فلا مجال لأن يتألّه أحد أمام الله ،في ما يدّعيه لنفسه ،أو يدّعيه له الآخرون ،بمجرد أنه يعيش في ذاته الإحساس بالحاجة المطلقة ،والخضوع العميق بطريقة الممارسة العملية ،أو بطبيعة ما يختزنه من شعور .
{وَلَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} هم خاضعون لإرادته لا يملكون من دونه لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ،وله أن يتصرف بشؤونهم بما يريد وكيف يريد .{وَمَنْ عِنْدَهُ} الذين يعيشون في مواقع القرب من رضوانه من الملائكة المقربين ،{لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} لأنهم يرون العبودية له أمراً طبيعياً راسخاً ،ويرون العبادة التي هي مظهر الاعتراف الحيّ بالعبودية ،لازمةً له في معناها ،ولهم في ذاتهم ،فهم خاشعون له منسحقين أمام عظمته ،{وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} أي لا يعتريهم إعياء ولا كلال مهما امتد بهم الزمن ،أو كبر حجم العبادة ،أو كثر عددها ،لأنّ وعيهم الوجداني والروحي لعلاقتهم بالله يجدّد نشاطهم ،ويقوّي روحانياتهم ،ويبعث فيهم روح التجدّد .