{لَعَلِّى أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} من الفرص الكثيرة الضائعة التي لم أحصل فيها على أية نتيجة إيجابيةٍ لمصلحة المصير .وقد ذكر أن الخطاب للملائكة ،بعد أن أطلق النداء لله ،بطريق الاستغاثة .{كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا} لأنه لم ينطلق من أساس واقعي معقول لها ،فهذا التمني لم ينطلق من وعيٍ للمسؤولية ،بل من رغبة في الخروج من المأزق ،ليتدبر أمره بعد ذلك عندما يتخلص من أجواء الخطر ،كما كان يفعل في الدنيا ،في الحالات المشابهة التي كانت تدفعه إلى الاستغاثة بكل ما حوله ومن حوله ،ليبتعد عن المشكلة ،حتى إذا حصل على ما يريد رجع إلى ما كان عليه ،لأن غرائزه وشهواته تتحكم في أوضاعه وممارساته ..وهذا ما عبر الله عنه في آية أخرى:{وَلَوْ رُدُّواْ لَعَدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [ الأنعام: 28] .
ثم لا معنى لكل هذه الكلمة ،لأن الله قد أعطاه كل الفرص ،وقدّم له كل الدلائل التي تثبت له لقاء يومه هذا ،حيث سيواجه نتائج المسؤولية ،ولذا فإنه لن يجاب إلى ما طلبه ،وسيواجه الموقف كله .
{وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} الظاهر أن المراد به عالم القبركما يقول صاحب تفسير الميزان«وهو عالم المثال الذي يعيش فيه الإنسان بعد موته إلى قيام الساعة ،على ما يعطيه السياق وتدلّ عليه آيات أخر ،وتكاثرت فيه الروايات من طرق الشيعة عن النبي( ص ) وأئمة أهل البيت( ع ) ،وكذا من طرق أهل السنة » .
وقد جاء في تفسير القمي:"البرزخ هو أمر بين أمرين ،وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة ،وهو قول الصادق( ع ): والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ ".
وقد ورد في قوله تعالى:{وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ} عن الإمام زين العابدين: «هو القبر وإن لهم فيه لمعيشة ضنكاً .والله إن القبر لروضةٌ من رياض الجنة ،أو حفرةٌ من حفر النار » .
وهناك تفسير آخر للآية ،وهو أن «بينهم وبين الدنيا حاجزاً يمنعهم من الرجوع إليها إلى يوم القيامة ،ومعلومٌ أن لا رجوع بعد القيامة ،ففيه تأكيد لعدم رجوعهم وإيئاسٌ لهم من الرجوع إليها من أصله »[ 5] ،وهو خلاف الظاهر ،لأن الفقرة السابقة حاسمة لا تحتاج إلى تأكيد ،ولأن قوله:{إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} يوحي بامتداد البرزخ إلى يوم البعث ،بينهم وبين يوم القيامة ،لا بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا ،والله العالم .