{فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ} وقام الناس من قلب الموت ،وعادوا إلى الحياة من جديد ،ليواجهوا المصير{فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُون} لأن العلاقات النسبية التي أراد الله للناس الالتزام بها ،والتعارف من خلالها ،والترابط على أساسها ،كان غرضها تنظيم الحياة الاجتماعية ،لتتطور وتتكامل وتحقق مصلحة الإنسان العليا ،من خلال الدوائر الصغيرة والكبيرة في ما تجتمع فيه أو تفترق ..فإذا كان يوم القيامة ،فإن المسؤولية هي التي تحدّد المصير ساعة الحساب ،ثم بعد ذلك يلتقي الجميع في الجنة أو في النار ،ويكون هناك مجتمعان: مجتمع الجنة الذي يعيش فيه الناس المتّقون{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظلاَلٍ عَلَى الاَْرَآئِكِ مُتَّكِئُون} [ يس: 56] ويلتقون فيه مع بعضهم البعض{إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِين} [ الحجر: 47] في رابطة التقوى التي تتجاوز النسب ،لتلتقي برضوان الله وطاعته ،ومجتمع النار الذي يلتقي فيه الكافرون والضالّون{الاَْخِلاَءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [ الزخرف: 67]{كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} [ الأعراف: 38] ،حيث تتقطع كل العلاقات ،وينكمش كل فردٍ داخل دائرة عذابه الخاص الذي يختزن كل الآلام فينشغل بها عن كل شيء ..وتتلاشى قيمة الأنساب وما تصنفه من روابط ،ويبقى رابط الإيمان والتقوى الذي يتحوّل إلى نسب في المعنى ،بدلاً من النسب المتأتّي عن علاقات الجسد ..وبذلك كان الحكم بسقوط الأنساب منسجماً مع أجواء يوم القيامة على كل حال ،فلا أنساب بينهم{وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ} لأن كل واحد منهم مشغول بنفسه ،{لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [ عبس: 37] ،وإذا كان هناك تساؤل في بعض المواقع ،فإنه ليس تساؤلاً يتعلق باهتمام كل واحد بصاحبه ،بل هو اهتمام بالذات ،حيث يعلن كل واحد من خلاله عن المرارة أو الثورة التي يعيشها تجاه الآخر الذي شارك في إضلاله ،في محاولة للنجاة من العذاب ،حيث يخيل أنه من الممكن أن ينجح وينجو عندما يحمّل الطرف الآخر مسؤولية ما قام به من الأعمال ،كما هو حال المستضعفين والمستكبرين ،والتابعين والمتبوعين ..وربما يحصل بعض التساؤل داخل الجنة بين أهلها ،أو داخل النار بين أصحابها ،فلا ينافي ذلك التساؤل الحاصل بينهم في هذه الآية ،لأنها تعبير عن انشغال كل منهم بنفسه في ما يواجهه من أخطار القيامة وأهوالها .