{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ} لأنهم يتحركون في الحياة من خلال الاعتقاد بأن لكل موقعٍ من مواقعها وظاهرةٍ من ظواهرها ،ولكل لحظة من لحظاتها الزمنية هدفاً يتحرك في المعنى الكامن فيها ،والسرّ المتمثل في طبيعتها ،والفائدة التي تحصل منها ..فليس لديهم مجال للّغو الذي لا يحمل في مضمونه أيّ نفع للإنسان ،أو أيّ هدفٍ للحياة ،سواء تجسّد ذلك في فراغ الكلمة الروحي أو في تفاهتها المعنويّة ،أو في ما تثيره من أجواء خالية من الفائدة بالنسبة للفكر أو الشعور .
إن الكلمة تعبير حيّ عن الشخص والواقع والهدف ،فإذا اقتربت من اللامعنى أو من اللاهدف ،أو من اللاجدية ،كانت انحرافاً عن المسؤولية التي هي سرّ حياة الإنسان ..
وليس معنى ذلك أن تكون الحياة جدّاً كلها ،لا مجال فيها للهوٍ أو لمزاحٍ ،ولكنّ معنى ذلك أن يكون هناك هدف ،حتى للّهو أو المزاح ،كأن تهدف لإعادة النشاط إلى الإنسان أو أن تساعده على التخفف من مشاكله النفسية المعقّدة وما إلى ذلك .