{وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} وهكذا كان التدرج في النزول ينطلق في مواجهة التحدي الذي كان يثيره الكافرون في بعض المراحل ،من خلال الشبهات التي تثير الريب والاشتباه في ذهنية الأمة ،أو من خلال الاتهامات التي يطلقونها في شخصية الرسالة والرسول ،ليسقطوا تأثيرها أو تأثيره في حياة الناس ،أو من خلال الأفكار الباطلة المضادة التي يراد لها أن تصارع الأفكار الحقّة ،لتحتوي الفكر كله لمصلحة الكفر والشرك ..فكان القرآن ينزل ليجيب عن الشبهات بإيضاح حقائق الأشياء ،وليردّ على الاتهامات ،بتسليط الأضواء على واقع الرسالة والرسول ،وليؤكد على الفكر الحق ،بالعمق الفكري والروحي الذي يثبت الحق في أعماق الفكر والروح ،بالصورة الأفضل ،والأسلوب الأحسن ،والتفسير الأوضح ،حتى تكون الحجة لله على الناس في ذلك كله ،ولا يكون للناس على الله وعلى رسله أيّة حجةٍ من قريب أو من بعيد .
وهذا ما ينبغي للعاملين في سبيل الله ،والدعاة إليه ،أن ينهجوه في حركة التحدي المضادّ عندما يُثار الريب والشك والقلق والحيرة في فكر الأمة وحركتها ،فلا يكفي أن نقدم الكتب الدراسية التحليلية الشاملة التي تعالج المواضيع بطريقة عامة ،بل لا بد لنا من أن نحرك مفردات الأجوبة أمام مفردات علامات الاستفهام ،ونثير جزئيات الحلول أمام جزئيات المشاكل ،ونواجه مواقع الاتهام من خلال مواقع الدفاع ،لتعيش الأمة موقف القوّة في مجابهة القوّة المضادة ،لتكون هناك كلمة في مقابل كلمةٍ ،وحركة في مواجهة حركة ،وحلٌ في مجابهة مشكلة ،من أجل ثقافةٍ تفصيليةٍ عملية تحيط بالموقف من جميع الجهات .