{قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضَّآلِّينَ} أي من الجاهلين بالنتائج السلبية التي تترتب عليّ ما أدّى إلى أكثر من مشكلةٍ اعترضت حياتي وأبعدتني عن أهلي وبلدي ،مع أن القضية كانت تحلّ بغير ذلك ،فلم أفعلها في حال الرسالة ،لتكون تلك نقطةً سوداء تسجلِّها عليّ في موقعي الرسالي ،بل فعلتها قبل أن يلهمني الله الهدى المتحرك في خط الرسالة ،عندما كنت ضالاً لم أحدد لنفسي الطريق الواضح المستقيم المنطلق من قواعد الشريعة المنزلة القائمة على التوازن في ما يصلح الإنسان أو يفسده .وبذلك نستوحي من الفقرة في الآية ،أن الضلال ليس بالمعنى الوجودي المضاد الذي يعبر عن الانحراف ،بل بالمعنى السلبي المعبر عن عدم معرفة طريق الهدى ،الذي يضيء به عمق الأمور على أساس المصلحة الحقيقية للإنسان .
القرآن يثير نقاط الضعف البشري في الأنبياء
وفي ضوء ذلك ،نفهم كيف يرينا القرآن الكريم نقاط الضعف البشري قبل النبوّة من شخصية النبي ،عندما كان بعيداً عن الاهتداء التفصيلي بالشريعة والمنهج ،خلافاً للفكرة المعروفة لدى الكثيرين من العلماء الذين لا يوافقون على أن النبي يمكن أن يضعف أمام عوامل الضعف الذاتي قبل النبوّة أو بعدها ،حتى في ما لا يشكل معصية أو انحرافاً خطيراً عن الخط المستقيم .
وهكذا واجه موسى الموقف بشجاعة الاعتراف بما فعله قبل أن يبعث بالرسالة ويهتدي بالحق من خلال الوحي النازل من الله ،فلم يسقط أمام التحدي الذي وجهه فرعون للرسالة على أساس ما وجهه لشخصه من عمل سابقٍ ،بل أكده في مواقعه الذاتية ،قبل الرسالة ،أي قبل أن ينزل عليه الهدى الذي يدعو إليه الناس الان ،فارتكب ما ارتكبه في الجوّ الذي لو كان في الموقع الذي هو فيه الآن لما فعله ،لا لأنه فعل حراماً ،فلم يكن متعمداً للمسألة ،وربّما كان الشخص يستحق القتل ،بل لأنه لم يكن ضرورياً بالمستوى الذي وصلت إليه القضية في نتائجها السلبية على مستوى حياته الشخصية في ما أدت إليه من إرباك وتعقيد .