{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ} كقاعدةٍ أولى لإنذار الآخرين ،لأن الناس قد يتحدثون معه عن عشيرته بأنهم الأولى باتباعهم خط الدعوة في ما يجب أن يلتقوا به من مفاهيمها وتعاليمها ،فإذا آمنوا به وصدّقوه كانوا عوناً له على رسالته بالتفافهم حوله ونصرتهم له ،بينما يفرض الموقف المعاكس نتيجةً معاكسةً ،لأنهم يكونون حجةً عليه ،حيث يمكن أن يثار الحديث لديهم بأنه لو كان صادقاً لصدّقته عشيرته لأنه أعرف الناس بهم وأقربهم إليه .
وقد اختلف المفسرون في هذه الآية ،فقد جاء في الدر المنثور عن أبي أمامة قال: «لما نزلت{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ} جمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بني هاشم فأجلسهم على الباب ،وجمع نساءه وأهله فأجلسهم في البيت ،ثم اطّلع عليهم فقال: يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار واسعوا في فكاك رقابكم أو افتكّوها بأنفسكم من الله ،فإني لا أملك لكم من الله شيئاً .
ثم أقبل على أهل بيته فقال: يا عائشة بنت أبي بكر ،ويا حفصة بنت عمر ،ويا أم سلمة ،ويا فاطمة بنت محمد ،ويا أم الزبير عمة رسول الله ،اشتروا أنفسكن من الله واسعوا في فكاك رقابكن ،فإني لا أملك لكم من الله شيئاً ولا أغني ،الحديث » .
ولكن يُلاحظ على هذا الحديث ،أن الآية مكية ،فلا تتناسب مع الخطاب مع عائشة وحفصة وأم سلمة ،اللاتي تزوجهن النبي في المدينة .
وفي مجمع البيان عن تفسير الثعلبي بإسناده عن البراء بن عازب قال: «لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً ،الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العسّ[ 2] ،فأمر علياً بِرجْل شاة فأدّمها ثم قال: ادنوا بسم الله ،فدنا القوم عشرةً عشرةً ،فأكلوا حتى صدروا .ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعةً ثم قال لهم: اشربوا بسم الله فشربوا حتى رووا ،فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرجل ،فسكت صلى الله عليه وسلّم يومئذ ولم يتكلم .
ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ،ثم أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير فأسلموا وأطيعوني تهتدوا .
ثم قال: من يؤاخيني ويؤازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني ؟فسكت القوم ،فأعادها ثلاثاً ،كل ذلك يسكت القوم ويقول علي( ع ): أنا ،فقال في المرة الثالثة أنت ،فقام القوم ،وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمِّر عليك » .
وهناك عدة روايات مماثلة لهذه الرواية في كثير من مضمونها ،مما روي عن أبي رافع ،ورواه السيوطي في الدر المنثور ،وصاحب علل الشرائع .وقد نستوحي منها الفكرة التي تؤكد على أن الالتزام بالرسالة في خط الدعوة والجهاد والعمل ،والمؤازرة في ذلك كله ،هو القيمة كل القيمة ،والفضل كل الفضل ،في علوّ الدرجة ،وسموّ المكانة ،وجدارة الموقع ،وهذا ما جعل للإمام علي( ع ) الميزة الكبرى على الصحابة في علمه ونصرته وجهاده وتقدّمه في مجال الدعوة إلى الله .