{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} لأنهم لا يتحركون من موقع القناعات بل من موقع الأهواء والشهوات ،فليست الكلمة صدى العقيدة ،بل هي صوت المصلحة ،وهو ما يجعل المساحة كبيرةً بين ما هو يعتقدون ويقتنعون به ،وبين ما هو واقع أفعالهم وممارستهم .أمَّا الرسول ،فهو الذي يريد أن يحرك الكلمة في مواقع العمل ،وينطلق بالفعل ليكون تعبيراً عن القول ليتم التطابق بينهما في أرض الواقع .
هل الإسلام ضد الشعر ؟
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل هذا موقفٌ ضد الشعر ؟وهل الشعراء فئةٌ مذمومةٌ عند الله ،فليس للإنسان الذي يريد أن يحصل على محبة الله ورضاه أن يكون شاعراً ؟ولماذا هذا الموقف المعقّد من الشعر والشعراء ؟وما الفرق بينه وبين الموقف من الخطابة والخطباء ؟وهل هناك إلا الاختلاف في الكلمة الموسيقية في ما هو اللحن في الوزن ،وبين الكلمة غير الموسيقية في ما هو الصوت في النثر ؟
والجواب: إن الموقف ليس موقفاً ضد الشعر والشعراء ،فقد جاء عن رسول الله( ص ) قوله: «إن من الشعر لحكمة »[ 1] ،بل هو موقف ضد الذهنية الغالبة لدى الشعراء في الظاهرة العامة لسلوكهم ،ما يجعلهم يستغلون اهتمام الناس بالشعر كأسلوب يهز المشاعر ،ويثير العواطف ،في سبيل الوصول إلى مطامعهم وشهواتهم ،عندما يحركون الكلمةالقصيدةفي سوق المزايدات المالية ،فيكون لذلك تأثيرٌ سلبيٌّ على حركة الحق في حياة الناس ،وبذلك يمكن أن تتضخم صورة غير ضخمة ،أو يشرق واقع مظلم من خلال إضاءة الكلمة في مواقعه بعيداً عن حقيقة الضياء في الواقع .وهكذا يشاركون في غلبة الزيف على الحياة في الأشخاص والأوضاع والمواقع .
أمَّا إذا كانت القصيدة ،في مضمونها ،انتصاراً للحق ،ودفاعاً عن المظلوم ،وإثارةً لحركة الإيمان ،فإن الموقف يتبدّل والحكم يختلف ،وهذا ما عبرت عنه الآية التالية التي جاءت بمثابة الاستثناء عن تلك القاعدة العامة .