{نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبأ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقّ} اللذين كانا يمثلان الصراع الحاسم ،بين النبوّة المتمثلة بموسى( ع ) في إيمانها بالله والتزامها بقضية الإنسان في حريته وعدالة قضاياه ،وفي انطلاقها في خط المواجهة للمستكبرين من موقع المسؤولية للدفاع عن المستضعفين ،وبين ما هو الطغيان والاستكبار المتمثل بفرعون الذي عاش عبوديته لذاته ،فتعقدت أفكاره ومشاعره تجاه الناس ،وتضخمت شخصيته في نفسه حتى ظن أنه إله وطلب من الناس أن يعبدوه ،ولذلك كان رد فعله عنيفاً أمام الدعوة التوحيدية لله والإعلان النبوي الحاسم له بأن يترك الناس لحرياتهم في الفكر والحياة ...إنه الموقف المتحرك بين الإنسان الذي يعيش لربه وللناس من حوله ليؤكد حركة الرسالة في الحياة ،بعيداً عن ذاته ،وبين الإنسان الذي يعيش لذاته وللنوازع الشرّيرة في مجتمعه ،بعيداً عن الله .
وهذا الموقف لا يمثل حالةً تاريخيةً فريدة ،بل هو الموقف الدائم في صورة الصراع الدائر في الحياة ،بين الإيمان والكفر ،والحرية والاستعباد ،والعدل والظلم ،ولذلك أراد الله للناس أن يتمثلوه بتفاصيله ،ليأخذوا منه الفكرة والتجربة وحركة الرسالة في الواقع من موقع الحق ،لا من موقع الخيال القصصي الغارق في الضباب{لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} إذ يواجهون التاريخ بوعي الإيمان ،فيأخذون منه العبرة ،ويستفيدون من درس الماضي لحركة الحاضر والمستقبل .ولذلك كانت التلاوة لهم ،في الوقت الذي يريد الله للناس كلهم أن يسمعوها ويفكروا فيها ،لأنهموحدهمالذين يحملون مسؤولية الكلمة في ما يسمعونه أو يقرأونه منها .