{وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ} فإذا كنتم تنسبونني إلى الكذب ،وتصفون ما جئت به بالسحر ،فإني لن أدخل معكم في نقاشٍ حول التفاصيل ،لأني لا أعتقد أنكم جادُّون في ما تقولون ،لأنكم تعرفون السحر جيداً في ما جربتموه من ألوانه مما لا يشبه شيئاً مما جئتكم به من الآيات ،وإذا كان هذا الذي أدعوكم إليه مما لم تسمعوه من قبل ،فليس معنى ذلك أنه لا يمثل الحقيقة ،لأن لكم عقولاً تستطيعون إذا حركتموها في معرفة الحقيقة أن تميزوا بها الحق من الباطل في ما أعرضه عليكم ،لأن لكل جيلٍ معرفته التي يتميز بها عن الجيل السابق .
ولهذا ،فإن المسألة ليست منطلقةً من قناعةٍ ،بل من موقع عنادٍ واستكبارٍ وتمرّد ،ما يجعلني أقف في موقف الإصرار على رسالتي لأنها من الله الذي يعلم: «من جاء بالهدى من عنده » ،وستعرفون ذلك إن عاجلاً أو آجلاً ،لأنكم تنطلقون على أساس مواقعكم في السلطة لا على أساس مواقع المعرفة لديكم .أمّا أنا ،فأنطلق من قاعدة الثقة المطلقة التي أعيشها في كل كياني ،ولن يزيدني إصراركم على الرفض إلا إصراراً على الثبات عندما أتطلع إلى ما يمنحني الله من قوّة الإيمان ،باعتبار أنني في الوقت الذي أحمل فيه رسالة الله إليكم ،فإني أوّل من صدّق بها ،فهو الشاهد على أني لست كاذباً ،وهو الذي يعلم بمن جاء بالحق من عنده{وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} في الدنيا والآخرة ،لأنه الذي يعلم الغيب كله ،فلا تأخذكم الثقة بمواقعكم ،لأن القوّة التي تملكونها الآن لا تعني أنكم تملكون حركة المستقبل ،ففي المستقبل الكثير مما تخافونه وتحذرونه من احتمال ،بل من يقين سقوط سلطة الظالمين ،وانتصار سلطة الحق والعدل والحرية ،لأن هذه من سنن الله الكبيرة في الكون ،حيث قال عزّ من قائل:{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} الذين عاشوا الظلم في كل موارده ومصادره ،على مستوى العقيدة ،في ما ظلموا به أنفسهم ،وظلموا به الحقيقة من الكفر بالله ،أو من الإشراك به ،وفي ما ظلموا به الناس من الطغيان والتجبر والتعسف ،والقتل والأسر والاضطهاد .