{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} من دون النساء{وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} أي الطريق .
تفسير قطع السبيل
وقد فسر قطع السبيل ،بأن المراد به قطع طريق التناسل أو إهماله ،وهو الطريق الذي جعله الله سبباً للتناسل من خلال إتيان النساء ،وذلك على سبيل الكناية عن الإعراض عن النساء وترك نكاحهن ،وقيل: إن المراد به قطع سبيل المارة بديارهم ،وكانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالخذف ،فأيّهم أصابه كان أولى به ،فيأخذون ماله وينكحونه ويغرمونه ثلاثة دراهم ،وكان لهم قاضٍ يقضي بذلك .
ولعل الوجه الثاني أقرب لظهور اللفظ في ذلك ،ولعدم تعارف التعبيرعن ترك نكاح النساء بذلك ،وعدم تبادره إلى الفهم العرفي حتى على نحو الكناية ،مع ملاحظة أنهم لم يكونوا تاركين لنكاح النساء بحيث تحوَّلت المسألة عندهم إلى شذوذٍ جنسيٍ معقّد رافض للوضع الطبيعي بشكل مطلق ،بل كل ما هناك أنهم يشتهون الوضع المذكر ويمارسونه ،مما لا يؤدي إلى قطع التناسل .ويؤيد هذا القول ما رواه العديد من أصحاب الجوامع عن أم هاني بنت أبي طالب ،ولفظ الحديث: «قالت: سألت رسول الله( ص ) عن قول الله:{وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} قال: كانوا يجلسون بالطريق فيخذفون ابن السبيل ويسخرون منهم »[ 1] .
ولعل الحديث وارد لتفسير الفقرة الأولى «وتقطعون السبيل » ،لأن لفظه يتناسب معها ولا يتناسب مع الفقرة الثانية ؛والله العالم .
إيتاء المنكر في النادي
{وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} فقد كانواعلى ما يبدويجتمعون في مجلسهم الذي يلتقون فيه ،بصفتهم الاجتماعية ،فيمارسون الفحشاء ،أو يقومون ببعض مقدماتها بطريقةٍ علنيّة ،وبذلك تكون الفقرة تأكيداً لما تقدّم ،من جهة الحديث عن إتيانهم المنكر ،وبياناً لحدوث ذلك في النادي العام .
وقيل: المراد بإتيان المنكر في النادي ،أن مجالسهم كانت تشتمل على أنواع المنكرات والقبائح ،مثل الشتم والسخف والقمار وخذف الأحجار على من مرّ بهم وضرب المعازف والمزامير وكشف العورات واللواط ونحو ذلك .
والظاهر أن لوطاً كان يريد إثارة الإنكار عليهم في ذلك كله ،ليقودهم إلى الحوار ،ليؤدي ذلك إلى تحليل الأمور بطريقةٍ عقلانيةٍ من جهة ،وإلى تخويفهم من المصير الذي ينتظرهم من عذاب الله في الدنيا والآخرة من جهةٍ أخرى ،على ما هي الطريقة المألوفة في خط الأنبياء ،من تحريك العقل نحو التفكر ،وتحريك الشعور نحو الخوف ،ليتوازن في شخصية الإنسان الجانب العقلي مع الجانب الشعوري ،لأن ذلك هو سبيل التكامل في حركة الإنسان .
رفض قوم لوط الدعوة
ولكن قومه كانوا مستغرقين في غرائزهم ،بحيث استطاعت أن تغلق نوافذ الفكر وتثير في عقولهم دخاناً من الشهوة المحترقة التي لا يطيقون الابتعاد عن نارها .ولذلك فقد رفضوا الحوار ،وسخروا من دعوته ،وتحدّوه بأن يفعل ما يريد ،وهم يعتقدون أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً ،فضلاً عمّا يريد ،لما يرونه من ضعفه ،لأنه لا يملك قوّةً فيما بينهم{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّه} إذا كنت تهددنا به{إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} في دعواك الرسالة ،وفي ارتباطك بالله بالمستوى الذي يستجيب فيه لطلباتك في عذابنا .