وفي هذا الجوّ الذي ينطلق فيه السبب من النَّاس ،وتتحرّك السببيّة التي تربط بينه وبين المسبب من قِبل اللّه ؛نلتقي بالآية الثانية التي تجعل الهزيمة الحاصلة بإذن اللّه ،لأنَّ ذلك يصحح نسبتها له .فلولا هذه العلاقة بين الانسحاب من الموقع وبين الهزيمة لما حدثت ،ولكن ذلك لا يلغي مسؤولية النَّاس الذين انسحبوا ،لأنَّ الأمر كان طوع إرادتهم ،وذلك هو قوله تعالى: [ وما أصابكم يوم التقى الجمعان] والمراد بالجمعين: جمع الإيمان وجمع الكفر .
وقد وردت كلمة [ فبإذن اللّه] في القرآن في عدّة موارد ،لتكون تعبيراً عن إرادة اللّه وسنته في الكون على سبيل الكناية ،لأنَّ اللّه عندما أودع قانون السببيّة في الكون ،فكأنَّه أعطى الإذن للمسبّب أن يحدث عند حدوث السبب [ وليعلَمَ المؤمنين] أي ليعلَمَ اللّه المؤمنين من خلال المواقف الصلبة التي يظهر بها المؤمن في عمقه الإيماني ويتميّز بها عن غيره من المنافقين ،لأنَّ حكمة اللّه اقتضت أن يمتحن إيمان المؤمن بالتجربة القاسية ،وذلك في لفتةٍ إيحائية في خطّة الابتلاء في الحياة ،بأنَّ الموقف هو الأساس في الإيمان وليس الكلمة .وبهذا نعرف أنَّ الحديث عن علم اللّه بذلك خاضعٌ لطبيعة الأشياء في وسائل المعرفة ،فهو واردٌ على سبيل التقريب لا على سبيل الحقيقة ،لأنَّ اللّه يعلم بكلّ شيء قبل حدوثه .