وقد بين سبحانه عموم إرادته وقدرته فقال:
{ وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله} أي إن ما أصابكم يوم التقى الجمعان في أحد وكلاهما قد أصر على ان يكون الموقف حاسما لمصلحته ، قد كان بإذن الله تعالى ، أي بإرادته الأزلية ، وتقديره الحكيم ،وقضائه المحكم ، فما كان بغير إرادته:بل كان على مقتضى حكمته ، ذلك ان الله سبحانه ربط الأسباب بمسبباتها والمقدمات بنتائجها ، فمن سلك طريق النصر ينتصر إن خلصت نيته ، واستقامت إرادته ، وتوكل على الله تعالى ، ولا يبغي إلا وجهه سبحانه ، وإن طريق النصر أوله انصراف عن المادة لأنها تضعف العزيمة ، ثم تنظيم محكم ووضع لكل شخص في موضعه الذي يحكم القيام به ، ثم طاعة وإصرار وعزيمة على امتثال الخطة المثلى ، ثم ثبات جنان وتصرف في الشديدة ، ولم تكونوا كذلك في هذه المعركة الطاحنة التي اختبرتم فيها اختبارا شديدا ، وهو سبيل النصر عن انتفعتم به ، فقد شابت نفوس بعضكم المادة وهمت طائفتان ان تفشلا فلم تكن النية المحتسبة . وخالفتم القائد الرشيد ، وأفسدتم النظام المحكم ، وذهب الهلع بنفوس أكثركم إذ اشتدت الشديدة وقوي البلاء .
وهنا بحثان لفظيان:احدهما:ان الله تعالى عبر في غزوة احد عن الموقعة بقوله:"التقى الجمعان} وفي ذلك إشارة إلى قوة التجمع في الفريقين ، وذلك يدل على ان كل فريق مصر على القتال ، مريد للنصر فيه ، فهزيمة بدر جمعت المشركين في احد وجعلت لهم عزيمة مريدة ماضية ، وإيمان المؤمنين جعل في أقويائهم رغبة في النصر او الاستشهاد .